من أجل رد الاعتبار لرمز همة الجزائريات “الحايك”.. في مسابقة لأجمل تصميم له لافتتاح موسم الربيع

من أجل رد الاعتبار لرمز همة الجزائريات “الحايك”.. في مسابقة لأجمل تصميم له لافتتاح موسم الربيع

زي المرأة الجزائرية في الماضي الجميل يندثر

لطالما كان الحايك جزء من ديكور العاصمة وعدة مدن أخرى بالغرب الجزائري، سترة المرأة من أعلى الرأس إلى أخمس القدمين، زي في طريقه إلى الانقراض وديكور في طريقه إلى الانهيار، حايك “المرمى” رمز الحشمة والوقار والالتزام يندثر ويحل محله الحجاب على اختلاف أنواعه، ليتم استعماله في محل هذا اللباس المفتقد.

لم تستطع المرأة في هذا الوقت مقاومة التغير الحاصل على جميع الأصعدة، والذي لم يستثن في اجتياحه حتى طريقة اللباس، صحيح أن لكل جيل منطقه وأناسه ومميزاته، لكن جميل كذلك المحافظة على لباس يزيد المرأة كبرا ووقارا، كما أن الأجمل من ذلك كله إيصال البصمات التي كانت تطبع الحياة العادية للسلف لجيل اليوم الذي سينقله بدوره للذي يليه. دثار المرأة الجزائرية في الماضي الجميل توارى عن الأنظار بيد أنه لم يختف من رفوف المتاجر وبقي إلى الآن قطعة مهمة وأساسية في جهاز العروس لخروجها مدثرة به من بيت أهلها، وهو ما استشفته “واج” لدى ولوجها بعض متاجر بيع لوازم العروس في رحلة البحث عن نساء يرتدين الحايك بمختلف أرجاء العاصمة.

فبعد أن باءت المساعي للعثور على أكثر من امرأتين ترتدين الحايك بالفشل في أول أيام إعداد هذا الموضوع، تم التقرب من بعض التجار على أمل الإستفادة منهم بما قد يفيد الموضوع. أحد كبار التجار بشارع أحمد بوزرينة بالعاصمة “لالير” سابقا راح يتحدث عن أنواع الحايك قائلا “هناك نوعان، حايك المرمى العاصمي وحايك العشعاشي التلمساني”، “حايك المرمى” يشرح المتحدث “قطعة قماش واحدة ناصعة البياض من الحرير الخالص وهنالك نصف مرمى الممزوج بالصوف أو الكتان تستر به المرأة جسمها وقد تغطي وجهها بنقاب خفيف”. وتابع التاجر قائلا: “رغم أن الحايك لايبدي محاسن المرأة، بيد أن النساء كن يتفنن في إظهارها بمشية خاصة جعلت الكثير من الزجالين والشعراء يتغنون بمحاسنه”.

وأفصح تاجر آخر أن “هذا الزي صورة حية للمرأة الجزائرية كما هو معلوم له مكانته القوية في العادات والتقاليد العاصمية، فضلا عن العديد من المناطق الجزائرية”. كثير من العجائز والنساء -حسب التجار- لاتزلن متمسكات بالحايك باعتباره أحد مقومات المنطقة العريقة لكن في خزائن ملابسهن فقط أو ضمن جهاز بناتهن المقبلات على الزواج لارتباطه بخلق الحياء والخجل ولاعتباره زينة العروس في “التصديرة” التي تعبر عن احترامها وأصالتها، كما أنه يشترط في مهر العروس في عدد من الأسر المحافظة على التقاليد”.

وعن السعر والجودة يقول “سيد علي” شاب أجير في إحدى المحلات “يصل سعر الحايك ذي النوعية الرفيعة إلى 7500 دينار جزائري نستورده غالبا من تونس، وحتى تتبين جودته يكفي إحراق خيط منه فإذا شممت رائحة “بوزلوف” فهو أصلي من حرير الدودة”. وتحدثت سهام موظفة بشركة خاصة عن الحايك قائلة “انقرض ولم يعد له أثر لا في المدن ولا في القرى، والملفت أنه في وقت ليس بالبعيد نتحدث بذلك عن منتصف الثمانينات وقبل غزو الجلباب والموضة المستوردة، كانت النساء قبل خروجهن من البيت تلتحفن بالحايك ولايرى منهن إلا تلك الكوة الصغيرة المعروفة بالعوينة”.

الحاجة زبيدة من القلائل اللائي لايزلن محافظات على ذلك الزي، ابنة القصبة زفت قبل خمسة عقود إلى باب الوادي ولم تخرج عن إطار الأصالة أعربت عن أسفها لزوال هذا الزي بحسرة وتنهيدة كانت كافية بإيصال فكرتها. واستذكرت حورية 52 سنة زمن السيتينيات والسبعينيات قائلة: “كنا نفتخر حين نقبل على شراء حايك جديد كان ثمنه وقتها مابين ألف وألفين دينار جزائري”، أما والدتها صاحبة السبعة عقود التي كانت برفقتها فقد استحضرت أيام الاستعمار الفرنسي حين كان الفدائيون يستعملون الحايك في عملياتهم للتخفي والإفلات من مراقبة العساكر الفرنسيين وللتمكن من تمرير بعض الأسلحة والوثائق في قلب المدن.

 

حتى “الملاية القسنطينية” لم يعد لها حضور

عقب اختفاء الحايك من جل المناطق الجزائرية، لحقته “الملاية” السوداء لتختفي بدورها شيئا فشيئا من عدة مناطق بالشرق الجزائري منبع ذلك الزي، وبدأت النسوة ترتدين ما يعرف بالحجاب والخمار الذي ربما كان لبعضهن موضة وللأخريات ضرورة لمسايرة الوقت. فبعد مدينة الصخر العتيق قسنطينة وحكايتها مع الملاية السوداء حزنا على موت صالح باي سنة 1792، وبعد مدينة سطيف وارتداء نسائها هذا الزي مضاهاة لنظيراتهن القسنطينيات تم ارتداء الملاية السوداء حزنا عقب مجازر الثامن من ماي 1945 لتنتشر الملاية بالمدن المجاورة على غرار باتنة، سوق أهراس، عنابة، سكيكدة وجيجل وغيرها.

 

مسابقة لأجمل “حايك” مارس المقبل

تطلق مجموعة “بلارج” خلال شهر مارس المقبل، مسابقة خاصة بصناعة “الحايك” العاصمي، أو بالأحرى إضفاء لمسات إبداعية على القطعة الحريرية التي تشكل هذا الزي التقليدي العاصمي ذا الشهرة العالمية، والذي لم تتخل عنه المرأة، لاسيما العاصمية التي لازالت تعتبره سترة للخروج من بيت أبيها ليلة زفافها، وتعتبر هذه المناسبة، حسب منظمي التظاهرة، فرصة لإعادة الاعتبار لهذا الزي الذي يعتبر هوية المرأة الجزائرية، لافتتاح موسم الربيع في مدينة الورود البليدة.

سيكون هذا الموعد، حسب سعاد دويبي، منظمة التظاهرة، مناسبة للمختصات في الخياطة والتطريز والرسم على القماش، للإبداع في هذا الزي التقليدي الرائع، الذي يتميّز بنصاعة بياضه، ويتدرج أحيانا بين “القمحي” والأبيض المصفر، لإعطاء لمسة حديثة على “الحايك” الذي تخلت عنه الفتاة في لباسها اليومي، وباتت لا تليه أي اعتبار إلا يوم زفافها.

وتعتبر مدينة البليدة، حسب المتحدثة، من المدن التي سجلت فيها المرأة تاريخها مع هذا الزي التقليدي، على غرار العاصمة، وبعض المناطق الأخرى، كوهران، قسنطينة، المدية وتلمسان، وهي المدن التي شهدت ارتداء السيدات هذا الزي بأنواع تختلف في بعض التفاصيل فقط، حسب ميزات كل ولاية.

ذكرت المتحدثة أن الاعتبار يعود لـ”الحايك” فقط، خلال بعض المناسبات التي يحييها المهتمون بالتراث الجزائري، وهو ما يعبر عن مدى صراع تلك القطعة من أجل البقاء كجزء راسخ في تقاليد الجزائريات. مشيرة إلى أن اختفاء هذا اللباس يعني اختفاء جزء من هوية الجزائرية، وليس من السهل دفع الفتاة من جديد إلى ارتدائه في حياتها اليومية.

أضافت المتحدثة أن تنظيم مسابقة للنساء الراغبات في الإبداع في قطعة “الحايك”، يعد تجربة لمحاولة إعادة الاعتبار لهذا اللباس التقليدي الذي انتشر قديما في كل من المغرب، تونس، الجزائر وليبيا، وكانت ترتديه بعض النساء أثناء انتقالهن بمفردهن لمسافات طويلة خارج منطقة السكن العادية.

أكدت المتحدثة أن المرأة كانت ترتدي “الحايك” لإضفاء نوع من “الستر” في محيط أجنبي عن منطقتها، سواء من أجل زيارة الأقارب أو التسوق أو غير ذلك، وهو نوعان؛ “حايك المرمى”، و”حايك بوعوينة” الذي ينتسب لولاية بسكرة خاصة، ولا يستعمل معه “العجار”، إنما يلف كافة الجسم وتبقى عين واحدة مكشوفة لرؤية الطريق.

يعتبر “الحايك”، حسب سعاد دويبي، قطعة من الحرير مربعة الشكل، تغطي جميع الجسم والشعر في نفس الوقت، مرفوقة بـ “العجار” بالنسبة لـ “حايك المرمى”، يوضع على الوجه لتغطيته، ويكون مصنوعا باليد ومطرزا بـ”الكروشي”. هذه المسابقة ستكون فرصة للمبدعات لإطلاق العنان لأناملهن وإضفاء بعض لمساتهن الخاصة على هذا الموروث الثقافي دون إخراجه من طابعه الأصلي التقليدي، لاسيما أنه رمز من رموز الثقافة الجزائرية وجزء من موروثها الشعبي، وتاريخها الذي تفتخر به المرأة الجزائرية عبر الزمن.

لمياء. ب