لا يمكن الحديث عن صحراء الجزائر دون الحديث عن ولاية تندوف هذه الولاية الساحرة ببريق رمالها، الجميلة بخضرة واحاتها والمتميزة بكرم أهلها، هذه الولاية ذات المساحة الشاسعة والقصور النادرة والمخطوطات النفيسة.
تقع ولاية تندوف في الجنوب الغربي من الوطن، انبثقت إثر التقسيم الإداري عام 1984، تحدها من الشمال المملكة المغربية، من الشمال الشرقي ولاية بشار، ومن الغرب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، من الجنوب الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومن الجنوب الشرقي ولاية أدرار، تبلغ مساحة تندوف 158875 كلم مربع، أي ما يمثل 67,6 بالمائة من المساحة الإجمالية للوطن، تتكون من بلديتين، بلدية تندوف مقر الولاية، لها فروع وتجمعات سكانية كغار جبيلات، تففومت، تندوف لطفي، وبلدية أم العسل التي تبعد عن مقر الولاية بـ 170 كلم، وتتشكل هذه البلدية من تجمعات سكانية منها حاسي خبي وحاسي منير، ويسود ولاية تندوف مناخ صحراوي جاف، يتميز بالحرارة صيفا والبرودة شتاء.
تاريخ المدينة وأصل تسميتها
يعود تاريخ ولاية تندوف إلى أقدم العصور الإنسانية، بحيث عثر بالمنطقة على آثار الإنسان، منازل بدائية وقبور عملاقة، كما تشهد على قدم تاريخها الضارب في عمق بحار من الحضارات، النقوش والأدوات الحجرية المنحوتة التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، عرفت أيضا التواجد البشري وكذا استقراره نظرا لكونها معبرا هاما في مسار القوافل، إذ ما تزال البيوت التي شيدتها بغرض الاستراحة قائمة إلى اليوم بمنطقة غار جبيلات.
نشأت تندوف كمدينة حوالي القرن العاشر هجري الموافق للسادس عشر ميلادي، ويعود أصل تسميتها حسب البكري في كتابه “مسالك وممالك”، إلى كلمة تيندفوس نسبة إلى آبار حفرها المسافرون غير أنها سرعان ما تزول وتندثر.
في نفس السياق أرجعها المؤرخ حركات إبراهيم لكونها مركزا صحراويا حفر بها المسافرون عبر القوافل، العديد من الآبار إلى غاية انهيار بعضها أو فيضانها، ويحدد موقعها جنوب حمادة الدرعة حيث تتواجد اليوم سبخة تندوف الكبيرة.
وهناك من يرجع أصلها إلى اجتماع كلمتين “تن” بمعنى الينبوع أو العين و”دوف” التي تعني غزارة التدفق، وبهذا يكون المعنى كاملا لتندوف هو العين الغزيرة التدفق.
داخل المدينة.. قصور تاريخية وقصبات خالدة
عندما تعتزم القيام بجولة سياحية لولاية تندوف، عليك الانطلاق من داخل المدينة، حيث يتواجد أهم القصور التاريخية التي تتشكل من قصبات كما تداول ذلك من قبل السكان، وهي قصبة الرماضين وتوجد بها خزانة للمخطوطات النفيسة والوثائق التاريخية، وقصبة موساني العتيق التي يوجد بها مقر زاوية محمد المختار بن بلعمش وهو أحد الوجوه التاريخية البارزة بالمنطقة، ويقابلها المسجد العتيق وضريح الولي الصالح محمد المختار بن بلعمش، إضافة إلى مجموعة من الدور التاريخية التي ما تزال شواهدها باقية إلى اليوم كدار الديماني بحي القصابي ودار عيشة بالرماضين وغيرها من الدور ذات الطابع الهندسي المميز للمنطقة، ومن جهة أخرى تتواجد أضرحة منتشرة عبر تراب المدينة كضريح سيد العرابي بحي القصابي، وقد عرفت تلك الأماكن السياحية داخل مدينة تندوف توافدا للعديد من زوار المنطقة كالسياح والمثقفين، فضلا عن زيارتها من طرف تلامذة المدارس بغرض غرس مفاهيم التراث في أذهان الناشئة وتعريفهم بالآثار.
فسيفساء من التاريخ القديم والمعاصر
إضافة إلى تلك القصور والقصبات، تتوزع المواقع الأثرية عبر ولاية تندوف، مشكلة فسيفساء من التاريخ القديم والمعاصر، والذي تمتزج فيه الحقب التاريخية التي تعاقبت على المنطقة والأمم المختلفة، التي جعلت تندوف مستقرا أو نقطة عبور إلى مختلف الوجهات الإفريقية.
ولعل من شواهد ذلك النقوشات الصخرية وعلامات الخيل والإبل، وذلك بمنطقة السلوفية الواقعة بتراب بلدية تندوف، ويقول سكان تلك الجهة إن هناك عدة ”سلوفيات”، وتعني هذه الكلمة الأرض المنبسطة وهي مكان تواجد الكتابات الصخرية القديمة، وهو ما نراه أيضا عند هضبة أم الطوابع بضواحي بلدية أم العسل، وتحديدا بمنطقة (تنف وشاي) وهي على شكل قاع بحر بدليل تواجد القواقع البحرية والمستحثات، والموقع ما يزال بكرا لم تحدث فيه أي دراسة، ماعدا زيارات متتالية لفرق البحث لمركز الدراسات التاريخية والأثرية خلال التسعينيات من القرن الماضي.
”دار البرتغيز”.. أحد المعالم الأثرية النادرة والغريبة
توجد في مدينة تندوف آثار على شكل هرمي بمنطقة واد أزام والمعروفة لدى أغلبية سكان الجهة بـ ”دار البرتغيز”، وتعني الكلمة البرتغاليين، وتمثل أحد المعالم الأثرية النادرة والغريبة على حد سواء،
وهي دار مربعة الشكل بها مجموعة من البيوت المفصلة بنفس الحجم والمقاس، وتوجد بقايا برجة مصنوعة من الصفائح الحجرية التي يمكن أن يكون الإنسان القديم الذي عمر بالمنطقة قد صنعها وشكلها، والذي امتاز بالقوة وضخامة الجسم_
وتوجد إلى جانب ذلك، آثار مختلفة كالقلعة ذات الشكل الهرمي، والمداخل والأبواب المتعددة بضواحي واد الماء (أم لعشار)، وتحيط بالمكان نصب جنائزية، حيث تشير الحكايات المستقاة من الرحل المتواجدين على ضفاف وحواشي الأودية، أنها قبور الهلاليين الذين كانوا يمتازون بطول القامة، كما توجد على جنبات القبور الدائرية التي ترتفع منها أعمدة حجرية يصل طول بعضها إلى مترين أو أزيد، إضافة إلى تواجد بقايا الجماجم والعظام البالية، تقول الحكاية الشعبية هناك عن وجود متاع وأواني قديمة قد دفنت مع أصحابها منذ عقد من الزمن.
“أجفار” .. الأشكال الهرمية والنصب الجنائزية
يفضل البعض من سكان ولاية تندوف قضاء عطله خارج المدينة للتمتع بهواء المناطق السياحية بالمناطق النائية كمنطقة “أجفار”، وهي عبارة عن تنوع جغرافي في غاية الروعة إضافة إلى المعالم الأثرية ذات الأشكال الهرمية والنصب الجنائزية المنتشرة عبر فضاء صحراء الولاية لاسيما بمناطق “لكحال” و”شنشان” على مسافة تزيد عن 500 كلم، وهي أماكن مليئة بالرسومات الصخرية ونقوشات الحيوانات كالبقر والفيلة والتيس والإبل والطيور وغيرها، مع تواجد أشكال مختلفة من أدوات الصيد التقليدي القديم لآلاف السنين كالأحجار المدببة الرؤوس والأسهم الحجرية، كما تزخر منطقة الزمول من جهة أخرى بآثار سياحية كبيرة كالثكنة العسكرية من عهد الاستعمار التي كانت بمثابة السجن الاستعماري بقرية حاسي منير، فضلا عن تواجد البحيرات المائية والسبخات والآثار المنتشرة بمنطقة سطح القمر وقاع بحر بهضبة أم الطوابع أنها فضاءات قابلة لبعث عالم سياحي جديد بتندوف وتكريس حقيقي لثقافة السياحة.
الصناعة التقليدية.. أهم مسلك للتعريف بالتراث اللامادي
تعتبر الصناعة التقليدية بتندوف أهم مسلك للتعريف بالتراث اللامادي الذي تزخر به المنطقة، وحقق فيه الحرفيون المحليون شأنا كبيرا بمهارة وإتقان مما جعل الصناعة الحرفية التندوفية تأخذ مكانة أساسية ضمن الثقافة السياحية لما يكثر عليها من طلب داخل وخارج الولاية من حيث اقتناء التحف الجلدية المزخرفة أو القلائد التقليدية وغيرها من مستلزمات الديكور التقليدي والهدايا.
يبقى أن نشير في الأخير إلى أن السياحة الشبانية تلعب أيضا دورا كبيرا في التعريف بالمناطق السياحية عبر الوطن وتروج للمشهد السياحي المحلي عبر الولايات، وهو ما جسده بيت الشباب بتندوف بتنظيمه مؤخرا أسبوع إعلامي للسياحة الشبانية شاركت فيه بعض الولايات كالشلف والنعامة وتلمسان وعين الدفلى وبشار، بالإضافة إلى الجمعيات المعنية بالموروث التراثي، حيث مكن هذا الأسبوع من نشر وعرض المكونات السياحية للولايات المشاركة مما سمح لشباب تندوف من الاطلاع عن قرب على الثراء السياحي الوطني.
“معروف سيدي بلال”.. عندما تُحكى الثقافة بعذوبة الصوت ورهافة الحس
تظاهرة “معروف سيدي بلال” أكثر التظاهرات التراثية والثقافية التي تقام في ولاية تندوف شهرة، وتشارك فيها فرق ثقافية ورياضية قادمة من بلديتي ولاية تندوف وولايات أخرى، وهو نشاط يتخلله ألعاب رياضية وسباقات للإبل تعكس فعلا حقيقة عادات وتقاليد وكرم أهل ولاية تندوف، وتعكس أيضا الموروث الثقافي لأهل تندوف الذين يسعون للحفاظ عليه من خلال الاحتفال بمثل هذه المناسبات.
وسميت التظاهرة (بمعروف سيدي بلال) نسبة إلى “بلال بن رباح” وهي تقام سنويا في تندوف، ولعل أهم ما يميز هذه التظاهرة هو تلك الفرق التي تعزف على آلات موسيقية بألبستها التقليدية لتمتع الحضور بنغمات عذبة، منسجمة إنها “القرقابو” التراثية الراقصة التي تعتبر من بين أهم الأنواع الموسيقية في المغرب العربي بل في القارة الإفريقية بأسرها.
ونجد في الجزائر أن هذه الموسيقى منتشرة بكثرة في الجنوب الغربي، فهي إيقاع ضارب أعماقه في جذور التاريخ، من أصول زنجية متوارثة أبا عن جد، وكما نجد لكل موسيقى دلالتها، فالقرقابو أيضا لديه دلالته الخاصة، فهو يعبر عن المختلجات النفسية وعن استقلالية الذات، إضافة إلى أنه يرمز إلى روح التضامن والرحمة بين الأهالي.
تتبع موسيقى القرقابو رقصات تتميز بطابع فلكوري يعبر عن طقوس روحية لمختلجات نفسية، ترمز إلى عناء العبودية في العصور الغابرة، ويسمى الغناء في رقصة القرقابو بـ “البرح”، وقد أدخلت على القرقابو العديد من النصوص الجديدة أقحمها أكاديميون و مبدعون في كل من الجزائر والمغرب، وتدعو هذه النصوص إلى الاتحاد والمحبة وفعل الخير، ويقود فرقة القرقابو رجل كبير في السن يدعى “المقدم”، وتستعمل في موسيقى القرقابو أدوات موسيقية تدعى “القمبري” و”القسطانيس “و”الطبل”.
ولتظاهرة “معروف سيدي بلال” مغزى اجتماعي، ثقافي، سياحي وديني من خلال ما تحمله من أبعاد، فهي تشكل محطة هامة لدعم الثقافة المحلية والحفاظ على التراث الثقافي الذي تزخر به ولاية تندوف، كما أنها أصبحت عادة حميدة يهب الجميع للتحضير لها وإقامتها، دافعهم في ذلك إيمانهم بأبعادها الإصلاحية والمتمثلة في التقارب والتآلف، فهي فرصة للإجتماع في ساحة واحدة والأكل من طبق واحد في مناسبة واحدة هي “معروف سيدي بلال”.
أما عن إيجابياتها بالنسبة للسياحة، فهي تساهم بشكل مباشر في تعزيز السياحة في تندوف من خلال جلب الزائرين من الولايات المجاورة مثل بشار وبسكرة، إضافة إلى أن هذه التظاهرة هي من روافد السياحة الثقافية بالنسبة للمنطقة ذلك لأنها تساهم بشكل مباشر في جلب السياح الأجانب الذين يقدمون في كل مرة انطباعا حسنا عن التراث الثقافي بصفة عامة.
العروس التندوفية تقيم ببيت أهلها إلى أن تضع مولودها وتستقبل عند أهل زوجها بالـ “تقعاد “
تتمسك العائلات بتندوف بعادات لا تزال قائمة لحد الآن تتعلق ببقاء العروس في بيت أهلها لمدة معينة قد تصل إلى حد وضع مولودها الأول، لتغادر بعد ذلك إلى عش الزوجية حاملة معها هدايا إلى أهل زوجها تعرف بـ “الفسخة” وتحضّر تلك الليلة وليمة خاصة استقبالا بقدوم الكنة، ويسمى اليوم الذي تغادر فيه الزوجة بيت أهلها متوجهة إلى بيت زوجها بـ “التقعاد”.
تتنوع العادات والتقاليد بولاية تندوف الواقعة في عمق الصحراء والتي لا تزال متوارثة جيلا عن جيل ومن بينها عادة إقامة الأفراح والأعراس.
بعد تحديد موعد الزواج، يبدأ أهل العريس في نصب الخيام لاستقبال المدعوين، أو ما يعرف بخيمة “الرق” وهي القاعة التي تخصص للعريسين وتزين بالورود والزرابي المتنوعة أو تنصب قاعة بالأعمدة الحديدية في منطقة واسعة، ويزين سقفها بما يسمى “البنية” تكون حمراء أو زرقاء، وتحاط جدرانها بمختلف الأفرشة، وغالبا ما يختار سكان تندوف يومي الأحد والأربعاء لإعلان مراسيم الزواج بصفة نهائيا بعد أشهر متعددة من التشاور والاتفاق على كل صغيرة وكبيرة ،وبدقة متناهية وتكون الكلمة الفاصلة للكبار وأعيان القبيلة، حيث يأتي أهل العريس مساء بعد صلاة العصر ويحضر الإمام ليعقد قران الزوجين و يبارك للعائلتين المتصاهرتين، وبمجرد عقد القران تتعالى الزغاريد وتقرع الطبول “ارّزام” إيذانا ببداية العرس، فتنحر الإبل
وتطهى المأكولات ويعد الشاي المحلي.
في صباح اليوم الموالي يعطي العريس عند بعض القبائل ما يسمى بـ “العادة”، وهي حلوى ترمى للنساء المدعوات لحفل الزفاف، وهي عادة متأصلة تجدها عند الكثير من المناطق.
أما العروس فتدخل “مرحلة التراوغ”، حيث ترافق العروس إحدى صديقاتهاوتذهب بها إلى مكان لا يعلمه أحد، وتحضر لها امرأة مختصة في الضفائر التقليدية وفي نقش الحناء ووضع الأحجار الكريمة لتزينها.
ومن عادات الزواج في المنطقة أيضا ألا تتوجه الزوجة مباشرة بعد إتمام مراسيم الزفاف إلى بيتها الجديد مع زوجها، بل تبقى فترة عند أهلها تناهز الأسبوع، وقد تستمر ستة أشهر أو ما يزيد عن ذلك،
وأحيانا حتى تلد ابنها الأول.
عندما تغادر الزوجة بيت أهلها يتوجب عليها حمل ما يسمى “الفسخة” وهي مجموعة من الملاحف والعطور والأحذية و الأفرشة وبعض الهدايا إلى عائلة زوجها الصغيرة، بالإضافة إلى “أمصار” وهي عبارة عن محافظ جلدية تضع فيها المرأة التندوفية زينتها أو “الترة” المصنوعة من السعف وكلها توضع في “تزياتن” وهي بمثابة حقيبة كبيرة، تحمل على ظهر الجمل فوق “أمشقب” باللهجة المحلية أي الهودج.
ويسمى اليوم الذي تغادر فيه الزوجة بيت أهلها متوجهة إلى بيت زوجها “التقعاد” و تقام في هذه الليلة وليمة عشاء تجتمع فيها العائلتان المتصاهرتان.