الأربعاء , 27 سبتمبر 2023
elmaouid

من ربوع بلادي: من أهم مدن الهضاب العليا “عين الصفراء”… مهد الإنسان الأول ومعقل المقاومة الجزائرية

هي رحلة من رحلات العمر، حيث تأخذك الطبيعة هناك في رحلة استكشاف لعالم بعيد عنا تنقلك له تفاصيل يندر أن تجدها في غيرها من الأماكن.. فالسفر إلى عين الصفراء ومشاهدة قصورها ومنحوتاتها، يجعلك

تسافر عبر عصور وعقود لتصل لفترة ما قبل الميلاد، حيث وجد الإنسان الأول، وعمل وعاش ودفن هناك ليترك آثارا شاهدة على وجوده.

 

عين الصفراء.. من أهم بلديات ولاية النعامة، وتتوسط هذه المدينة السلسلتان الجبليتان جبل عيسى وجبل مكثر، وتمتد مساحتها إلى الحدود المغربية المتاخمة لفرطاسة، اشتهرت مدينة عين الصفراء بمقاومتها الشرسة للاستعمار، وذلك بمقاومات غير منظمة أغلبها بجبال المنطقة كجبل مكثر، وبمقاومات منظمة كمقاومة الشيخ بوعمامة. تعتبر مدينة عين الصفراء من أهم مدن الهضاب العليا لتميزها بطابعها السياحي والتاريخي.

 

نقوش ومنحوتات تبين تاريخ الوجود البشري

يعود التواجد البشري بالعين الصفراء وضواحيها على أقل تقدير، إلى العصر الحجري الحديث (نيوليتيك) حيث كانت تستعمل الأدوات من الحجارة، واستعملت في النقوش الصخرية المتوفرة بكثرة في المنطقة، حيث توجد نقوش تمثل عموما حيوانات ذلك العصر وبعض الأشخاص، أما عن معانيها فنظن، على حسب الحالات، أن هذه الرسومات المنقوشة على الصخور من المفترض أن يكون لها دور سحري أو فني أو ديني، ونذكر هنا أنه في هذا العصر كانت ميول لعبادة الحيوانات مثل الكباش، أما فيما يخص التأريخ، فيطرح مشكل كبير بسبب عدم العثور بمحاذاة هذه النقوش على بقايا بشرية، وبحسب توزيع الطبقات الزمنية للنقوش وبحسب مختلف التقنيات والنظريات للباحثين مكنت من تحديد تاريخ هذه النقوش بين 000 10 و500 2 سنة قبل الميلاد، وتعتبر النقوش الصخرية شهادات ذات قيمة لا تقدر بثمن تركتها شعوب قديمة، تثبت نمط حياتهم وعاداتهم وعالم الحيوان الذي كان يحيط بهم.

ويشير الباحث “هلوت” إلى أن أكبر قسم من هذه الأعمال أنشئ قبل الحضارة الومرية وقبل أقدم الأهرامات المصرية، كما اعتبر نقوش عين الصفراء من بين أقدم المظاهر الفنية والطقوسية لإفريقيا، كما اعتبر الباحث أن الأطلس الصحراوي الذي يضم أكثر من 150 محطة، أحد أكبر المتاحف المفتوحة على الهواء في العالم.

إضافة إلى النقوش، ثبت التواجد البشري بمختلف الأدوات التي وجدت منها كميات وفيرة في محطات ورشات لوادي العين الصفراء وقال في هذا الباحث “س. قزال ” عاش العديد من السكان في الصحراء الحالية لفترة غير مؤكدة الحدود، لكنها طويلة جدا، ومن المحتمل أنها تنحدر إلى العصر التاريخي وتصعد دون شك إلى الأعلى” كما كتب لينيز عن منطقة العين الصفراء وهو باحث في ما قبل التاريخ: ” إذا كانت “المنطقة” تبدو اليوم مقفرة، قاحلة…فلم تكن الحال في الأحقاب الماضية، فلقد كانت المياه تسيل في المجاري المجففة (اليوم) وكان غطاء نباتي زاخر ينمو في هذه السهول القاحلة. عاشت أقوام كثيرة في المكان الذي تمور (اليوم) فيه الرمال”.

 

عينات مذهلة من آثار ما قبل التاريخ

عثر الباحثون في العين الصفراء على العديد من بقايا مهارات الفنانين البدائيين كصوان منحوت، محكّات، سكاكين، إبر، رؤوس سهم…وغيرها. كما تجدر الإشارة كذلك أنه وجدت حقول معتبرة هناك تعطي مذكرة الباحث د.لينيز، الذي أقام بالعين الصفراء من 1896 إلى 1898 عينات مذهلة من آثار ما قبل التاريخ وجدت على امتداد الأودية وعلى الكثبان الرملية وكذا بجانبها بمحاذاة المدينة، علاوة على النقوش الصخرية وبقايا الأدوات التي تشكل أقدم علامات الوجود البشري في هذه المنطقة، نجد ما يقارب خمس عشرة محطة رسومات صخرية، ممثلة للبقريات، والعديد من محطات لنقوش عربات تبين أن الناحية كانت في ذلك العهد منطقة عبور ذات حركة مروروية بين الجنوب والشمال وبين الشرق والغرب، إضافة إلى محطات تتواجد بها كتابات أبجدية.

 

“تومولوس” مقابر قدماء عين الصفراء

تشكل أقدم المقابر ما يقارب العشرين نصبا دائريا تقع على بعد كيلومترات من العين الصفراء، نذكر منها على وجه الخصوص: عين عرقوب المغار، على سفح جبل مكثر، وعين بن سرارة التي اكتشفها النقيب دوسيني بين 1902 و1907، واكتشفت كذلك بقايا عظام بشرية في هذه المعالم، غير أن المعلومات الأولى الأكثر صحة حول تعمير ناحية العين الصفراء بدأت في الواقع مع الجثوات.

“التومولوس ” مقابر أناس سكنوا هذه النواحي في تلك الفترة المتأخرة، تسمى في العرف الشعبي بـ “الكراكير”،”الرجم” أو ” قبور الجهالة”.

“تومولوس” هي المقابر بالعين الصفراء صنفها دوسيني إلى ثلاثة أنواع بحسب نوع البناء، يوجد النوع الأول على شعاع 35 كم من العين الصفراء، خاصة بثنية الغزالة وشقة المويلح، غارة الضبع ووادي الصفراء، النوع الثاني بجبل مكثر، فوناسة والمحيصرات والثالث بعين بن دومة، عرقوب المغار وغارة الضبع.

ويبين تواجد هذه المقابر التي تعد بالعشرات، بحسب دوسيني، أن عددا كبيرا من السكان عاشوا في ناحية العين الصفراء فجر التاريخ، وجدت في هذه “التومولوس” هياكل عظمية ومنقولات جنائزية، وكانت هذه المنقولات ترافق الموتى وهي التي سمحت بتأريخ هذه المقابر وتمثلت أساسا في خواتم وأطواق من حديد ومن فضة ومن نحاس، وفي سنة 1914، قبل الحرب العالمية الأولى، قدمت بعثة من الباحثين الألمان بقيادة الأستاذ فروبينيس لاستكشاف تومولوس جبال القصور، وقد كتب ل.غوتيي معلقا على نتائج البعثة التي نشرت سنة 1916 “هذه القبور التي لا تحصى تعود للفترة التاريخية أو الفترة ما بين التاريخ وقبله على الأكثر، ولا نعرف بعد منها أحدا يفترض أن يكون أكثر قدما من مسيبسا “. مسيبسا هذا هو ابن الملك النوميدي ماسينيسا وعم يوغورطا. حكم 30 سنة بين 148 إلى 118 قبل الميلاد. وهكذا، يمكن لنا القول إن في القرن الثاني قبل الميلاد كانت ناحية العين الصفراء مأهولة بالعديد من السكان. كان هؤلاء الأهالي شبه مستقرين، يسكنون الأكواخ ويربون الماشية خاصة منها الماعز والأبقار.

 

“جيتول” عين الصفراء ..الدعم اللامتناهي للنوميديين

بينما كان لقب أهل الشمال بالنوميديين، لُقِّب أهل هذه الناحية بالجيتول، وأثناء الحروب التي خاضها القرطاجيون والرومان، دعم جيتول الجنوب هاميلكار القرطاجي بمقاتلين سنة 238 قبل الميلاد في طريقه من تونس إلى إسبانيا وعززوا بعد ذلك، وإلى غاية 207 قبل الميلاد، ابنه حنبعل الذي توجه إلى إيطاليا.

من الملفت للنظر أن من 146 قبل الميلاد، تاريخ تدمير قرطاجة، إلى غاية 40 بعد الميلاد لم يمارس الملوك النوميديون الذين حكموا الشمال أية سلطة على الجنوب. – بلاد الجيتول-. في سنة 40، قتل الملك النوميدي “بطلمي” واجتاح الرومان شمال إفريقيا فانتفض السكان، بعد معارك في الشمال, طارد الرومان جيتول الجنوب الذين ذهبوا لمساعدة النوميديين. لأول وآخر مرة, في أواخر سنة 40 / بداية 41 قدم الرومان بالناحية بقيادة الجنرال سويتونيس بولينيس ومروا بغرب جبال القصور حتى وصلوا إلى وادي “غير”.

 

واحة ” فوناسة”.. عندما يقترن التاريخ بالطبيعة

 “فوناسة” اسم بربري الأصل ويعني “البقرة” وقد سميت كذلك لكثرة الأبقار التي كانت في تلك المنطقة قديما، وهي منطقة زاخرة بمناظرها الرائعة والجميلة، تابعة لبلدية جنين بورزق جنوب ولاية النعامة، وتعتبر “فوناسة” واحة خلابة وقبلة سياحية لما تملكه من مناظر طبيعية تأسر الناظرين وتجعلهم يشعرون كأنهم ليسوا في النعامة التي يلف أغلبها المدّ الرملي.

ويتذكر ساكنو جنوب عين الصفراء العصر الذهبي الذي عاشته هذه الواحة التي كانت تجذب إليها السواح من كل الجهات من أجل التمتع بجَمالها ورونقها، وكذا من أجل التخييم على ضفاف واديها قصد الخروج من روتين المدينة، وحسب الباحث الدكتور “ابراهيم مرين”، فإن فوناسة ظلت عبر سنين وأزمنة منطقة عذراء في حضن جبلين، ومحطة استراحة بين بلديتي “جنين بورزق” و”صفيصيفة”، مضيفا بأن “فوناسة” مصطلح أمازيغي يعني تافونست و”فوينيسة” ويعني البقرة، كما أنها تختصر المسافة بين مدينة عين الصفراء وجنين بورزق من 85 كيلومتر إلى 40 كيلومترا، وهي منطقة عرفها الإنسان منذ مرحلة ما قبل التاريخ، كونها تجمع بين استراتيجية الموقع وجمال التضاريس والجغرافيا، حيث أنها تضم صخورا منقوشة وعيونا مائية وأشجار نخيل باسقة، ويقترن فيها التاريخ بالطبيعة. وتحكي الرواية الشعبية أن إحدى عيون فوناسة التي ردمت بالصوف والتراب كانت مياهها تتدفق على مسافات طويلة، وأن أحد مواطنيها من قبيلة “المرينات” قتل أول مستوطن فرنسي بالمنطقة سنة 1865 بعدما حل من أجل الترصد والاستكشاف، وتم التوغل نحو “جنين بورزق” والجنوب، وقد سلكت “فوناسة” معبرا للشيخ بوعمامة وجيشه نحو صفيصيفة وجبل بني سمير، ومعقلا للمجاهدين خلال ثورة التحرير لأنها تشد بيمينها جبل “مير الجبال” الذي يحوي الصخور المنقوشة “الفيلة” وجبل مزين بكهوفه ومغاراته، ويرى أصحاب المكان وعارفو الأزمنة المتلاحقة للواحة أنها أضحت اليوم مهددة بخطرين، أولهما طبيعي يتمثل في إتلاف المحاصيل وفسائل النخيل بفعل فيضانات الوادي العابر للمكان، أما الثاني فيتمثل في الاعتداءات البشرية المتواصلة من قطع جائر للأشجار ورعي عشوائي طوق المنطقة ما تسبب في أضرار فظيعة في الواحة، ورغم هذا الموقع الساحر والأبعاد الثقافية والتاريخية تبقى فوناسة واحة منسية وبعيدة عن أعين وأجندة المسؤولين المعنيين وأهل السياحة، فهي في حاجة ماسة إلى إعداد دراسة لتأهيلها وتهيئتها وجعلها قطبا سياحيا بامتياز، وكذا تشجيع إنشاء مشاريع حرفية صغيرة لجلب السواح.

 

قصر تيوت… الدور السياسي والديني البارز

“تيوت ” كلمة أصلها بربري زناتي، مشتقة من كلمة “تيط” أو “تيطاوين” ومعناها العيون أو المنطقة الغنية بمنابع المياه،وكما هو شائع عند سكان القصور والواحات فإن أية كلمة تبدأ بحرف التاء في اللهجة البربرية الزناتية معناها أن المنطقة غنية بالماء، وحسب الأبحاث الهيدروجيولوجية الأخيرة توصلت إلى أن منطقة “تيوت” تعد خزانا للمياه الجوفية.

وينتمي قصر” تيوت ” إلى مجموعة القصور أو القصبات المحاذية للجزء الغربي من الأطلس الصحراوي في الجزائر، وتعرف الجبال المحاذية لها بجبال القصور،تمتد هذه القصور في الجزائر من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي وهي موازية لاتجاه السلسلة الأطلسية، تقع هذه القصور جنوب الهضاب العليا الغربية في الجزائر وشمال الصحراء الجزائرية، وتضم هذه القصور:قصر بني ونيف ومغرار التحتاني الذي يعد معقل ثورة الشيخ بوعمامة ، وكان لهذه الثورة بعد وطني وقومي ، وقد لعب هذا القصر دورا سياسيا ومذهبيا في العهد الفاطمي في الجزائر، وتأسست هذه القصور بسبب وجود منابع المياه والأودية، ولولاها لما وجدت، وكذلك نتيجة لظروف سياسية وإقتصادية وثقافية، بحيث تدل مظاهرها المعمارية على جملة من الأفكار التي اعتمدت على الصدق الثقافي الذي ترجم إلى استقرار وتاريخ ونمط حياة منذ فترة قديمة، وتعرف هذه القصور عادة بالواحات وقد تعرضت المصادر العربية القديمة إلى ذكر هذه الواحات بأنها تمتد من بلاد مصر والإسكندرية وصعيد مصر والمغرب، وأرض الأحباش ، وأن الأخبار عنها مجهولة وكذلك عن كيفية العمران بها والخواص في أرضها، ووصفت بأنها أرضية شبية وعيون حامضة،ويبدو من مصادر الضباط الفرنسيين أن واحة تيوت من أروع الواحات في منطقة جبال القصور.

فقد ذكر رينيه بقوله”…بعد أن تغادر قصر عين الصفراء ورماله، ويقطع المسافر عشرات الكيلومترات في اتجاه الشرق، تصادفك فجأة بعض أشجار النخيل، وعندما تقترب يتضح المنظر أكثر، وعند وصولك إلى قصر تيوت، يظهر التناقض واضحا ورائعا في نفس الوقت بين بساتين النخيل الخضراء واللون الأحمر للصخور والأرض واللون الأبيض للقباب والنباتات الوفيرة في وسط سهل رطب يمتد في اتجاه الشمال الشرقي، بينما أشار” دي فولك “الذي قاد الطابور الفرنسي في اتجاه القصور أنه عندما وصل الطابور إلى قصر تيوت على الساعة الواحدة زوالا، لاحظ “دي فولك” أن سهل تيوت كثير الانجراف، وبعد أن تجاوز وادي تيوت، توقف عند مخيم رائع به ماء يسيل، وتحيط به صخور معزولة، في شكل أكثر غرابة، ويستطرد قائلا أن قصر تيوت في حالة سيئة، ولكنه يتميز بزراعة كثيفة، وعلى حافة الواحة لاحظ صخورا منقوشة مثيرة وغريبة تمثل صور رجال ونساء وصيادي النعامة والأسود وحيوانات ذات قرون وفيلة وكلها رسمت بخط إلى حد ما كبير، تتوسط واحة قصر تيوت واحات جبال القصور، بحيث يحدها من الشرق واحة عسلة ومن الغرب واحة عين الصفراء،ومن الجنوب واحة مغرار التحتاني والفوقاني، بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي بالنسبة لقصور الأطلس الصحراوي الغربي، فإن طابعها العمراني والمعماري المميز هو الذي دفع بالباحثين الفرنسيين إلى تصنيفها على أساس أنها من الواحات الرائعة في المنطقة،وقد وصفها أحد الضباط الفرنسيين بأنها واسعة وغنية وخصبة، وأفضل من الواحات التي زارها، وهي محصورة من كل الجهات بهضاب صغيرة وتلال ذات تربة حمراء أو رملية حجرية، وعلى حافة القصر أبراج مبنية من التربة.

“تيوت” كلمة أصلها بربري زناتي، مشتقة من كلمة “تيط” أو “تيطاوين” ومعناها العيون أو المنطقة الغنية بمنابع المياه، وكما هو شائع عند سكان القصور والواحات فإن أية كلمة تبدأ بحرف التاء في اللهجة البربرية الزناتية معناها أن المنطقة غنية بالماء.

وقد توصلت الأبحاث الهيدروجيولوجية الأخيرة إلى أن منطقة “تيوت” تعد خزانا للمياه الجوفية.

وينتمي قصر “تيوت” إلى مجموعة القصور أو القصبات المحاذية للجزء الغربي من الأطس الصحراوي في الجزائر، وتعرف الجبال المحاذية لها بجبال القصور، تمتد هذه القصور في الجزائر من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي وهي موازية لاتجاه السلسلة الأطلسية، وتقع جنوب الهضاب العليا الغربية في الجزائر وشمال الصحراء الجزائرية، وتضم: قصر بني ونيف ومغرار التحتاني الذي يعد معقل ثورة الشيخ بوعمامة، وكان لهذه الثورة بعد وطني وقومي، وقد لعب هذا القصر دورا سياسيا ومذهبيا في العهد الفاطمي في الجزائر، وتأسست هذه القصور بسبب وجود منابع المياه والأودية، ولولاها لما وجدت، وكذلك نتيجة لظروف سياسية واقتصادية وثقافية بحيث تدل مظاهرها المعمارية على جملة من الأفكار التي اعتمدت على الصدق الثقافي الذي ترجم إلى استقرار وتاريخ ونمط حياة منذ فترة قديمة، وتعرف هذه القصور عادة بالواحات وقد تعرضت المصادر العربية القديمة إلى ذكر هذه الواحات بأنها تمتد من بلاد مصر والإسكندرية وصيد مصر والمغرب، وأرض الأحباش، وأن الأخبار عنها مجهولة وكذلك عن كيفية العمران بها والخواص في أرضها، ووصفت بأنها أرضية شبّية وعيون حامضة، ويبدو من مصادر الضباط الفرنسيين أن واحة تيوت من أروع الواحات في منطقة جبال القصور.

فقد ذكر رينيه بقوله”…بعد أن تغادر قصر العين الصفراء ورماله، وتقطع عشرات الكيلومترات في اتجاه الشرق، تصادفك فجأة بعض أشجار النخيل، وعندما تقترب يتضح المنظر أكثر، وعند وصولك إلى قصر تيوت، يظهر التناقض واضحا ورائعا في الوقت نفسه بين بساتين النخيل الخضراء واللون الأحمر للصور والأرض واللون الأبيض للقباب والنباتات الوفيرة في وسط سهل رطب يمتد في اتجاه الشمال الشرقي، بينما أشار “دي فولك” الذي قاد الطابور الفرنسي في اتجاه القصور أنه عندما وصل الطابور إلى قصر تيوت على الساعة الواحدة زوالا، لاحظ “دي فولك” أن سهل تيوت كثير الانجراف، وبعد أن تجاوز وادي تيوت، توقف عند مخيم رائع به ماء يسيل، وتحيط به صخور معزولة، في شكل أكثر غرابة، ويستطرد قائلا إن قصر تيوت في حالة سيئة، ولكنه يتميز بزراعة كثيفة، وعلى حافة الواحة لاحظ صخورا منقوشة مثيرة وغريبة تمثل صور رجال ونساء وصيادي النعامة والأسود وحيوانات ذات قرون وفيلة وكلها رسمت بخط إلى حد ما كبير.

تتوسط واحة قصر تيوت واحات جبال القصور، بحيث يحدها من الشرق واحة عسلة ومن الغرب واحة العين الصفراء، ومن الجنوب واحة مغرار التحتاني والفوقاني. وبالإضافة إلى موقعها الإسترايجي بالنسبة لقصور الأطلس الصحراوي الغربي، فإن طابعها العمراني والمعماري المميز هو الذي دفع بالباحثين الفرنسيين إلى تصنيفها على أساس أنها من الواحات الرائعة في المنطقة، وقد وصفها أحد الضباط الفرنسيين بأنها واسعة وغنية وخصبة، وأفضل من الواحات التي زارها، وهي محصورة من كل الجهات بهضاب صغيرة وتلال ذات تربة حمراء أو رملية حجرية، وعلى حافة القصر أبراج مبنية من التربة.

 

قصر مغرار .. حافظ الذاكرة الشعبية

يحتوي قصر مغرار على مادة توثيقية هامة تخص وصايا الشيخ بوعمامة ومخطوطاته التي تمثل مختلف ملفاته في مجال علوم الدين ومعارف الفقه والتفسير، كما تؤرخ لمختلف المراحل التاريخية التي شهدتها المنطقة لتعطيل توغل ونفوذ المستعمر الفرنسي نحو الصحراء الكبرى.

ويحتوي قصر مغرار على جدران منقوشة بزخارف وفسيفساء من الفن المعماري الإسلامي القديم وبقايا أواني فخارية وعتاد بسيط استعمل في زراعة البساتين بالمنخفضات الوديانية للمنطقة، وتنتمي جميع تلك الكنوز الأثرية إلى محيط حصن دفاعي شيده قائد المقاومة الشعبية بالجنوب الغربي للجزائر.

 

قلعة الشيخ بوعمامة رمز المقاومة الشعبية في المنطقة

يمثل قصر مغرار وقلعة الشيخ بوعمامة المنتصبان بالعين الصفراء، ذاكرة المقاومة الشعبية، ولهذا تمّ تحول هذين الموقعين المتجاورين إلى متحف أثري وفضاء مفتوح للاستراحة والاستكشاف بجانب دار للضيافة حتى يتسنى استقطاب السياح وإتاحة الفرصة للزوار من أجل الغوص في تاريخ المنطقة والتعريف بالهندسة المعمارية القديمة والحرف التقليدية المميزة لنمط حياة السكان القدامى بقصور جبال الأطلس الصحراوي الغربي.

وتتميز هذه القلعة بنظامها الدفاعي وأبراجها الحربية المصممة للرصد والشامخة في وجه قساوة المناخ وتغيرات الطبيعة، وتتميز القلعة أيضا بطابعها الهندسي الهرمي المستوحى من الطراز المعماري المحي، ما يجعلها تجذب إليها أنظار آلاف الزوار كل عام، وتتوفر القلعة على نحو 34 برجا للمراقبة وأطلال سور كبير وثلاثة مداخل رئيسية ومنارة لمسجد عتيق شيد بالمنطقة قبل ستة قرون خلت، إضافة إلى بقايا ورشة لصناعة أدوات حربية وذخيرة ومطمورات لتخزين المؤونة.

ويقول الخبير “زكي شتوح” أنّه جرى الاعتماد في بناء قلعة بوعمامة على مادة الجبس التقليدية نظرا لتوفرها في المنطقة، مع العلم أن قبة القلعة المبنية من الجبس وسط المدخل الرئيس للمتحف الحالي، هي أيضا تحفة معمارية في غاية من الدقة والجمال، ويلحظ الزائر للمكان قوة تماسك جزئيات القلعة خاصة في جدرانها الخارجية التي يبلغ عرض القطعة بها حوالي المترين.

وعلى الرغم من أهمية الإرث الحضاري والتاريخي للقلعة، إلاّ أنّ كثيرا من أسوارها ظلت معرضة للتلف ولم تستفد سوى من عمليات شكلية لم تتجاوز طلاء واجهاتها، تستوجب أشغال صيانة وتأهيل بعد أن أصبحت معرضة للانهيار في أي لحظة، في وقت -يقول مسؤول مكتب الآثار وحفظ التراث بمديرية الثقافة التابعة للمنطقة- أنّ قلعة الشيخ بوعمامة المصنفة كتراث وطي محمي تتشكل من آثار ثمينة تم صيانة البعض منها واسترجاع بعض ملامحها بعد أشغال التهيئة والترميم التي مرت بعدة فترات منذ سنة 1998.

 

واقع لا يسر ومؤهلات لم تستغل

تحوّلت مدينة العين الصفراء، أحد أكبر التجمعات الحضرية الجنوب الغربي من البلاد، وأهم مناطق الاستقطاب السيّاحي سنوات الثمانينات، إلى ما يشبه ”مدينة أشباح”، ولا يتوانى سكان العين الصفراء عن التنديد بسياسات التهميش والإقصاء التي صارت تنتهجها مختلف قيادات المجالس الشعبية المُتعاقبة، خصوصا خلال السنوت العشر الماضية، تُعد العين الصفراء إحدى أكبر دوائر ولاية النعامة مساحة وتعدادا سكّانيا، بإجمالي يتجاوز 52 ألف نسمة، وإمكانات طبيعية هامة، مُتمثلة أساسا في تربعها على مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، وتوفرها على إمكانات الري، إلا أن الزائر لا يلبث أن يكشف غياب أبسط وسائل العيش الكريم، وملاحظة حقيقة توسع الطابع ال