من صفات عباد الرحمن

من صفات عباد الرحمن

إن أوَّلُ وَصْفٍ من أوصاف عباد الرحمن: التواضُع، قال الله تعالى: ” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ” الفرقان: 63، فقوله تعالى: ” يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ” أي: ساكنين متواضعين لله ولعباده. والتواضُع معناه: ألَّا يرى الإنسانُ لنفسه على أحد فضلًا، ولا يقع في اعتقاده أنه خير من أحد، وعليه فإن المؤمن مُطالَب بأن يتواضَعَ لعبادِ الله جميعِهم، ولا يتكبَّر عليهم، مُطالبٌ بأن يُوَقِّر كبيرَهم، ويَحترمَ صغيرهم، ويُجِلَّ عالِـمَهم، ويَحْنُوَ على فقيرهم، ويرحمَ ضَعيفهم، ويَحْفَظَ لكلِّ ذي مكانةٍ منزلتَه. وإن آياتِ القرآن العظيم، وأحاديثَ النبيِّ الكريم، تَحُثُّ على التواضُع وتأمرُ به، وتُبَيِّنُ عاقبته في دنيا الإنسان وآخرتِه، قال الله سبحانه ” وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ” الحجر: 88. وخَفْضُ الجَنَاح: كنايةٌ عن التواضُعِ ولِينِ الجانب، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ” رواه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته متواضِعًا، هيِّنًا ليِّنًا سهلًا، وكان يَحلُب شاته ويخيطُ نَعْلَه، ويُرَقِّعُ ثوبَه، ويأكُلُ مع أصحابه، ويخالط الناس ويُصافِحُهم، ويقضي حاجاتِهم، ولا يُفرِّق في ذلك بين صغير وكبير.

جاءه مرةً رجل يرتعد -لأنه يعتقد أنه سيُقابل مَلِكًا من الملوك- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “هَوِّنْ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ”. ويقول أَبُو رِفَاعَةَ الْعَدَوِي رضي الله عنه: “انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ… قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ… وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا”  الله أكبر! رسولُ ربِّ الأرض والسماوات، يقطع خطبته وينزل على المنبر، ليعلم أعرابيًّا أمور دينه، ويقضي حاجته!. وهذا درس لكل صاحب منصب، لكل موظف في إدارته، لكل صاحب جاه، لكل صاحب مكانة وعِزَّة في المجتمع، أن يتواضعَ للناس، ويقضيَ حاجاتِهم، ويُيَسِّرَ أمورهم، إن السبب الذي يدفع بعض الناس إلى التكبُّر والتعالي والغرور، لوجدنا أنه يتمثَّل في شعور المتكبِّر بأن الله فَضَّلَه على الناس بنعمة من النِّعَم، فمنهم من يتكبَّر بماله، ومنهم من يتكبَّر بعلمه، ومنهم من يتكبَّر بقوته أو بجاهه أو نسبه أو منصبه… هؤلاء جميعُهم نسوا أن الله تعالى يُبغِض المتكبِّرين، ويجعل النار مصيرهم، قال الله سبحانه: ” أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ” الزمر: 60. وقد كان في التاريخ قبل هؤلاء المتكبرين، مَن هم أشدُّ منهم قوة، وأكثرُ منهم مالًا، وفوقَهم علمًا ومنصبًا؛ لكنَّ كِبْرهم لم يجلبْ عليهم إلا لعنةَ الله وعذابَه، وغضبه وعقابَه.

 

من موقع الألوكة