* التاجر لتجنب الخسارة والزبون لاستغلال الفرصة
تم تحديد فترة التخفيضات الشتوية بولاية الجزائر، خلال الفترة الممتدة من 18 جانفي إلى غاية 28 فيفري 2020، “لتمكين أصحاب المحلات التجارية من إيداع ملفاتهم إلكترونيا للحصول على الرخصة للشروع في العملية الترويجية”، حسب ما أكده مدير التجارة لولاية الجزائر كريم قش.
وأوضح نفس المسؤول أن مصالحه شرعت بعد صدور القرار الولائي المنظم لعملية البيع بالتخفيض الخاص بالفترة الشتوية والصيفية منذ فترة في منح رخص لفائدة التجار والمتعاملين الإقتصاديين على مستوى العاصمة، ويتم حاليا استقبال طلبات التجار إلكترونيا لممارسة البيوع المقننة (البيع بالتخفيض والترويجي والبيع في حالة تصفية المخزونات) في إطار تسهيل الإجراءات الإدارية المحددة، فيما حددت فترة التخفيضات الصيفية من 21 جويلية إلى غاية 31 أوت من سنة 2020.
تستعد المحلات بالعاصمة هذه الأيام، لإطلاق عملية التخفيضات الشتوية “الصولد” في 18 جانفي، لتستمر إلى غاية 28 فيفري 2020، وهي العملية التي أصبح العديد من الجزائريين يعتبرونها حدثا، ينتظرونه بفارغ الصبر، لاسيما عشاق الموضة الذين يبحثون عن اقتناء منتجات من ألبسة، أحذية وحقائب بأقل الأثمان، يصل بعضها إلى نصف السعر وأحيانا أقل بكثير من ذلك.
بين الفرصة والتحايل
رغم عدم ثقة الكثيرين في عمليات “الصولد”، واعتبارها تحايلا اقتصاديا مثاليا لتفريغ الجيوب، وطرح فائض السلع القديمة لعرض سلع جديدة، إلا أنها في نظر آخرين، فرصة لتجديد خزانة الملابس واقتناء الضروري، ولمَا لا الكمالي أيضا، لاسيما إذا كانت أسعار السلع تغري المتسوقين.
وعرفت هذه العملية تنظيما أكثر بعد إعلان وزارة التجارة، قبل أربع سنوات عن إطلاقها سياسة رقمنة طلبات ممارسة البيوع المقننة بمختلف أنواعها، على غرار البيع بالتخفيض والبيع الترويجي والبيع في حالة تصفية المخزونات والبيع عند مخازن المعامل والبيع خارج المحلات التجارية بواسطة فتح الطرود، حيث تندرج هذه العملية في إطار الإجراءات الهادفة إلى تسهيل الإجراءات الإدارية وتنظيم السوق، من خلال العروض التي يقدمها التجار لطرح فائض سلعهم وتجديد مخزوناتهم، لاسيما أن الجزائر باتت تواكب باقي العالم، فيما يخص اتباع أحدث صيحات الموضة، بالأخص بعد تفتح السوق ودخول الأجانب والعلامات التجارية الشهيرة السوق الجزائرية.
العلامات المشهورة الأكثر استهدافا
بعد أيام قليلة، ينطلق موسم التخفيضات المستمر إلى غاية 28 من الشهر المقبل بنقاط بيع العلامات التجارية والمحلات التجارية التي تستعد لوضع لافتات تنزيل الأسعار بنسب متراوحة، وغالبا ما تكون محلات العلامات المشهورة قبلة المئات من الجزائريين الذين يتوافدون على نقاط بيعها لعلهم يحظون بفرصة شراء ملابس ذات جودة بأسعار في المتناول. لكن السؤال الذي يظل مطروحا هل الـ”صولد” مبني على معايير دقيقة وحقيقية تجعل الزبون يقتصد في ميزانيته أم أنه شكلي ورهين الانتهازيين لتسريع وتيرة البيع؟
التجار ومفهوم “الصولد”
تبين لنا خلال حديثنا مع بعض التجار أنهم لا يعرفون المعنى الحقيقي للصولد، إذ فسر لنا البعض بأنه وسيلة للتخلص من السلعة التي لا تباع، بينما يربطه البعض الآخر بفكرة التخلص من السلع القديمة لعرض الجديدة، بينما لا يكترث البعض الآخر بالصولد ومثل هؤلاء يقومون بإخفاء سلعتهم التي لم تسوق ويعاودون عرضها الموسم القادم، بينما يخطئ بعض البائعين في تحديد الوقت الذي ينطلق فيه موسم التنزيلات وهذا ما يسبب عادة حالة من الفوضى، فالكل يبيع حسب هواه ويخفض متى يشاء.
ومن المفروض أن فترة الصولد المرتبطة بفترة الشتاء تبدأ من شهر جانفي وتنتهي مع نهاية شهر فيفري، إلا أن هناك من المحلات من لا تعلق أي نوع من اللافتات ليس لعدم اهتمامها بالصولد ولكن من أجل تفادي طلب الترخيص من الهيئات المعنية، وتعمل على تخفيض الأثمان داخل المحل وهو ما كشفه لنا “مصطفى” بائع ملابس نسائية قائلا “الصولد في الجزائر لا معنى له لأنه يؤدي إلى تعريض التاجر إلى الخسارة لا غير، فإذا رجعنا إلى الدول الأوربية مثلا، نجد أن التاجر في جميع الأحوال لديه نسبة من الفائدة حتى في أيام الصولد، بينما التاجر الجزائري الذي يلجأ لذلك يبحث عن تأمين رأس ماله فقط، لذا نجد أن التخفيض يأتي بنسبة قليلة، ولهذا أنا شخصيا أتجنب تعليق اللافتات التي تعلن عن الصولد، بل أقوم بتخفيض أثمان بعض الملابس التي أرغب في التخلص منها بحكم أنها تخضع للموضة ولا تُلبس الموسم القادم وحتى أضمن أن أستعيد رأس مالي فقط، أما البقية فلا أكترث بها وأقوم بإخفائها وأعاود بيعها الموسم القادم ولكن بثمن أقل”.
وهناك من التجار من أرجع نجاح ثقافة الصولد إلى الدولة في حد ذاتها، فإن كانت تنتج السلع التي تخضع لنظام الصولد، فهذا يعني أن الصولد ناجح بها، أما إن كانت الدولة غير منتجة، فلا مجال للمغامرة أبدا وعوض التنزيلات الموسمية، يتم اللجوء إلى تخفيض رمزي في الأثمان حتى تباع السلعة دون تعليق أي لافتة وإنما يتم الاعتماد على الإشاعة كأن يروج بين الزبائن أن المحل الفلاني قد خفض في أسعار سلعه حتى يستقطب الزبائن وهي الفكرة التي وجدناها عند السيد “سمير” الذي حدثنا قائلا: “ثقافة الصولد لا يمكن أبدا أن تكون لدينا لأننا دولة غير منتجة للسلع بل نجلب كل سلعنا من الخارج، إذ نقوم نحن كتجار بالشراء لإعادة البيع، ولا نلجأ إلى الصولد إلا إذا رغبنا في تبديل سلعة لا يمكن الإبقاء عليها، في هذه الحالة ننقص في أثمان بعض السلع ونتكبد خسائر من وراء ذلك، فإذا كان الصولد يصل في قطعة معينة لنسبة 50 بالمائة، فالفائدة تقل عن 5 بالمائة، بينما بالدول الأوروبية مثل فرنسا التي اقتني منها سلعتي، الأمور مختلفة فعندما يشتري البائع من المنتج سلعة بمبلغ 10 أورو يبيعها بـ 36 أورو، وفي موسم الصولد يطبق عليها تخفيضا بنسبة 50 بالمائة في هذه الحالة يبيعها بـ 18 أورو وتكون نسبة الفائدة هي 8 أورو، وبالتالي هو رابح في جميع الأحوال وحتى وإن بقيت السلعة ولم يتمكن من بيعها يعيدها للمنتج ويستبدلها بأخرى تتماشى والموسم الجديد، لذا أقول إنه لا يمكن أن نطبق الصولد بالقواعد العالمية، بل نلجأ إلى الصولد للتخلص من السلع التي لا تباع”.
يجد بعض التجار صعوبة في التعامل مع المواطن عند حلول موسم الصولد، وحول هذه المشاكل حدثنا “نصر الدين “بائع ملابس نسائية الذي يمتهن تجارة الملابس منذ ست سنوات ويطبق نظام الصولد في كل موسم، حيث يقول “أتعجب من المواطن الذي تجلبه كلمة صولد فيأتي للمحل ويسألني: هل حقا هنالك تخفيض؟ أم أن السلعة فيها عيب، لذا لم تتمكن من بيعها؟ بينما يعتقد آخرون أني أتخلص من سلعتي حتى أتوقف عن مزاولة النشاط أو أغيره بنشاط آخر، والكارثة هي أن بعض المواطنين يقصدون محلي في وقت الصولد ويطلبون أن أراعيهم في الثمن!! في هذه اللحظة بالذات ينتابني شعور بالإحباط لأنه بالمقارنة مع الدول الأوروبية نجد أنهم يترقبون موسم الصولد بفارغ الصبر وبمجرد أن يبدأ يصطفون في طوابير لاقتناء أكبر كم من السلع قبل نهاية المدة التي لا تتجاوز الشهرين”، ويعلق “إذا كان التاجر الأوروبي يكسب من وراء التنزيلات، فإن التاجر الجزائري يكسب أحسن في الأيام العادية، بينما قد يمنى بخسارة كبيرة عند التخفيض، لذا نجده لا يخضع لنظامها وإنما يعمل وفقا لطلب السوق ورغبة الزبون، كما أن الصولد في مجتمعنا لا يحكمه قانون واضح لذا نعاني من الفوضى، فالكل يبيع حسب هواه”.
وللمواطن رأيه في موسم التنزيلات
وإذا كان التاجر يشتكي من غياب ثقافة الصولد عند المواطن، فإن هذا الأخير في حد ذاته يعتبر بعض التجار فوضويين وغشاشين، إذ يدّعون أن الأسعار مخفضة من خلال ما تعكسه واجهات محلاتهم، لكن عوض الكشف عن ثمنها الأول وتحديد سعرها المخفض، يقوم بالكشف عن السعر الجديد والادعاء أن السعر القديم ضعف السعر.
وإلى أن تتحسن ثقافة الصولد بالمجتمع الجزائري، يظل التاجر يجري وراء تحقيق الربح وتجنب الخسارة، بينما يلهث الزبون وراء الفرص المناسبة لاقتناء سلعة ما بنصف ثمنها.
ل. ب