مهنة رعاية الأطفال ظاهرة آخذة في الانتشار

يشكل الأطفال بالنسبة للكثير من النساء العاملات مصدر قلق  وهاجس كبير بالنظر إلى مهمة رعاية أطفالهن الصغار أثناء غيابهن عن البيت وأمام ندرة روضات الأطفال وعدم تلبية المتوفرة منها الاحتياجات الملحة للأم، وأمام هذا الوضع يبقى البديل الوحيد أمام فئة النساء العاملات اللجوء إلى نساء ماكثات في البيت للقيام بهذه الخدمة، وهي الظاهرة التي بدأت تنتشر في الجزائر خاصة في العواصم الكبرى للبلاد.

 

بالإضافة إلى مسألة الثقة التي تطرح عندما يتعلق الأمر برعاية الأطفال وحراستهم لدى خواص في غياب أي إطار قانوني، وبالتالي الإفلات من الرقابة، وتغتنم عارضات هذا النوع من الخدمة ندرة روضات الأطفال لفرض مبلغ مالي مبالغ فيه وقد تصل التسعيرة إلى 5 آلاف دج للطفل الواحد دون احتساب تكاليف الإطعام الذي يبقى على عاتق الأولياء.

 

حاجة الأم للعمل ولّدت الحاجة للمربية

فالأم البديلة ظاهرة تنتشر أكثر فأكثر، فمع تطور وضع المرأة في المجتمع لم تعد كما كانت في الماضي زوجة وأماً فقط، بل أصبحت أيضا امرأة عاملة إضافة إلى كونها أما وزوجة، فهناك من يرجع التصاعد المستمر لعدد الأمهات العاملات إلى تبدّل الأحوال الاقتصادية التي دفعت المرأة إلى سوق العمل لمساعدة الزوج وتحسين مستوى المعيشة، بل أيضاً من أجل الإحساس بالاستقلالية وبناء كيان اجتماعي خاص بها. وفي ظل هذه الظروف يبدأ الاعتماد على امرأة أخرى في تربية الأطفال، وفي هذا الصدد تقول السيدة “سعاد.م” أستاذة علم الاجتماع إن هناك فرقاً بين مصطلح الأم البديلة والمربية من الناحية النفسية… وانعكاسها على الأطفال، فالأم البديلة قد تكون إحدى القريبات مثل الخالة والأخت والجدة، وهي التي تقوم برعاية الطفل نفسياً وبيولوجياً واجتماعياً، كأن تهتم بالتعليم والمأكل وغيرهما. وتكون هذه الأم موجودة منذ شهور الطفل الأولى، ويتعرف إليها الطفل كأم وتتكون بينهما عاطفة الطفل والأم، فتكون الأم الحقيقية، من دون أن تكون الأم البيولوجية للطفل، أما المربية فهي التي تقوم بتربية الطفل، لكنها لا تمنحه الإحساس بأنها الأم الحقيقية… لأنها تتلقى أجراً مقابل العناية.

تقول السيدة “مليكة” إنها بحثت عن امرأة تتكفل بأبنائها خلال ساعات عملها، لكن باءت محاولاتها بالفشل، فوجدت نفسها مجبرة على اللجوء إلى الجيران الذين قبلوا حراسة ابنها بطريقة تطوعية ودون مقابل مادي، واعتبرت أن هذا العرض وإن كان سخيا نابعا عن الكرم إلا أنه يضعها في حرج كونها “لا يمكنها اشتراط أي شيء بشأن نوعية الخدمة المقدمة بالمجان”، وتقول “حقيقة أن مشكل التكفل بالأطفال أثناء أوقات عمل أوليائهم مطروح على مستوى جميع المدن الكبرى للبلاد خاصة الولايات التي تعاني من عجز كبير من حيث هياكل الاستقبال المخصصة، وهو أمر يؤثر سلبا على النساء العاملات، وفضلا عن ذلك، فإن غياب هياكل استقبال متخصصة يسبب المشاكل للأطفال على حد تعبير أغلبية النساء العاملات اللواتي يجدن أنفسهن مكرهات على وضع أطفالهن لدى نساء ماكثات في البيت عادة ما يفتقدن لأي مستوى تعليمي. وترى “جميلة”، موظفة بإحدى الشركات أن هذه الوضعية التي تجعل الطفل ينقطع نهائيا عن وسطه الأسري تكون لها انعكاسات تتمثل في الأساس في تغيرات جذرية في سلوكه، مؤكدة في هذا السياق بأن “طفلها أصبح عنيفا ولديه ميل إلى الاكتئاب والقلق والبكاء بعد أيام قضاها لدى إحدى النساء اللواتي قمن بهذه الخدمة، وتقوم هؤلاء النساء بتدارك غياب أطفالهن عن الوسط الأسري لساعات وذلك بمجرد عودة الأطفال إلى منزل أوليائهم.

 

العودة إلى الأسرة التقليدية أنسب حل

من جهتها، ترى السيدة “خليدة. ب” أن حل هذه المشكلة يكمن في العودة إلى العائلة التقليدية الموسعة التي تبقى حسب وجهة نظرها الوسط الأنسب والملائم أكثر لنمو منسجم للطفل قائلة: “إني أعمل منذ عشرين سنة وأن أطفالي لم يعانوا من أي مشكل لأنني أتركهم لدى جدتهم وكذا بين أحضان أعمامهم وعماتهم الذين يقيمون كلهم في البيت العائلي الكبير”، أما نساء عاملات أخريات فيفضلن ترك أطفالهن لدى أمهاتهن وجداتهن أو أمهات أزواجهن اللواتي يعرفن جيدا القيام بهذه المهمة الحساسة أحسن من أي روضة أطفال، وهذا الوضع يفرض أن يكون الأقارب يقيمون بنفس المدينة وفي حالة صحية تسمح لهم بالقيام بذلك مع العلم أن العائلة في الوقت الحاضر مشتتة والارتباط بمكان العمل بدأ يغلب على مكان الازدياد حسب الملاحظات المقدمة من كثير من النساء المعنيات.

 

دراسات تحذر من حرمان الطفل من الحنان

وقد أثبتت الدراسات أن الطفل لا يتأثر بطول المدة التي يقضيها مع المربية بالقدر نفسه الذي يتأثر به نتيجة حرمانه من الأم. ويعتبر انشغال الأم الدائم بأعمال لا تسمح لها بتوفير الوقت لرعاية طفلها، مثل العمل خارج المنزل أو كثرة عدد الأولاد، أو السفر المتكرر مع الزوج، وفي بعض الأحيان نلاحظ أن حرص الأم وعدم قدرتها على الإهتمام بالطفل، يجعلها تحتاج إلى المساعدة. ويشترط الاعتماد على المربيات توافر الإمكانات المادية لدى الأسرة، وحرصها على بعض المظاهر الإجتماعية التي جعلت الكثير من العوائل تلجأ إلى استخدام المربية للعناية ولتربية الأطفال. لكن غياب الأم يسبب التشتت العاطفي ويخفض مستوى الذكاء… وعادةً تظهر الفروق بين الأطفال الذين يحظون بعناية أمهاتهم، ويبقون في عهدة الخادمات أو المربيات. وصحة الطفل العضوية تتأثر بغياب دور الأم، إذ يكون معرضاً للإصابة ببعض الأمراض مثل الأكزيما والنزلات المعوية. ومن الناحية النفسية، يصاب الطفل بالتشتت العاطفي تجاه الأم والمربية.

والعاطفة تتكون بين الطفل ومن يعطيه الرعاية في أول شهوره، لذلك قد تتزايد الخطورة إذا وجدت المربية في المراحل الأولى لحياة الطفل”. و”الأطفال الملازمون للمربيات يظهر عليهم إنخفاض في مستوى الذكاء وذلك نتيجة حرمان الطفل من الشعور بالأمان خاصة إذا غابت المربية أو تم تغييرها وهناك أنواع من التخلف العقلي تكون نتيجة للحرمان العاطفي في أول العمر… وقد يصاحبه قصر في القامة واعتلال في الصحة العامة واضطرابات نفسية تصيب الطفل نتيجة فقدان التوازن الأسري”.

بين كمية الوقت وقيمته

يعتبر المختصون في علم النفس أن العمل ضرورة للمرأة لأنه يساعدها على تطوير فكرها وشخصيتها، وبالتالي تصبح أكثر نضجاً وعقلانية في التعامل مع أبنائها، ومما لا شك فيه أن المرأة التي تعمل يكون مستواها الفكري أعلى من غيرها وتكون بالتالي مهيأة أكثر من غيرها لتنشئة أطفالها بالشكل الصحيح، ومما لا شك فيه أن خروج المرأة للعمل يزيد من ثقتها بنفسها وفي قدرتها على العطاء ويعطيها موقعاً مهماً في أسرتها وتعطي نموذجاً مشرفاً لأبنائها عن أهمية العمل والنشاط ويقوي الشعور بالمشاركة بين أفراد الأسرة، ولا يمكننا هنا أن نتجاهل العامل الاقتصادي، إذ يمكن أن يوفر لأطفالها الكثير من المتطلبات الإضافية التي لا يمكن أن يوفرها الزوج بدخله فقط، ورغم أهمية وجود الأم في حياة الطفل وبقائها معه، إلا أن الأهم هو قيمة الوقت الذي تقدمه له وما فيه من فائدة له بدلاً من أن تقضي معه ساعات طويلة فارغة لا يستفيد منها بشيء، وعندما نتحدث عن غياب الأم عن الطفل نقصد الغياب الروحي والفكري، وليس الجسماني.