مهنة في طريقها إلى الزوال… “الحرف الفنية” بين مشاكل التسويق وغلاء المادة الأولية

مهنة في طريقها إلى الزوال… “الحرف الفنية” بين مشاكل التسويق وغلاء المادة الأولية

يعيش العديد من الحرفيين الفنيين في قلق دائم وخوف مستمر من شبح يهدد مهنتهم الوحيدة بالتلاشي والزوال، خاصة بعد تخلي العديد منهم عن ممارسة الحرف الفنية و النقص الكبير الذي يشهده سوق هذه

التحف بالنسبة للعرض و الطلب، مما يرهن صمود هذه المهنة التي ينشط فيها الآلاف من الحرفيين ضمن 15 ألف مؤسسة صغيرة، حيث يتسبب هذا في نزيف كبير في قطاع الصناعات التقليدية خاصة منها صناعة الأواني الفخارية و مختلف أنواع الخزف و النقش على الخشب وغيرها.

 

نقاط بيع قليلة تعرض تحفا فنية قيمة

قمنا بجولة عبر ضواحي العاصمة، لاحظنا من خلالها وجود نقاط قليلة لبيع وصناعة التحف الفنية كواد كنيس وتيليملي و ساحة الشهداء، حيث تعرض هذه المحلات تحفا فنيا رائعة كاللوحات الزيتية و المزهريات النحاسية و سفن و بواخر صغيرة من الخشب و غيرها من التحف التي تترك بصمات صاحبها و تحكي سيرة من الزمن الجميل، حيث يتمكن الزائر لهذه المحلات من السفر بين ديكورات التحف و الرحيل في حكايات من عصور غابرة و لا يرغب بالرجوع إلى واقعه، فالمحلات رغم بساطتها فهي تحتوي على قيمة فنية و ثقافية كبيرة و تعبر عن عادات و تقاليد المجتمع الجزائري ، و الأحسن من ذلك أن باعة التحف يحسنون جيدا جذب الزبائن و دعوتهم لزيارة المحلات و التعرف على السلع المعروضة، خاصة و أن العديد من هؤلاء الحرفيين ورثوا المهنة من آبائهم و أجدادهم، كما أجمع الجميع على أنها مهنة تتطلب الصبر و الحب الكبير في الحفاظ على التراث، لهذا نجد أن أغلب الباعة عملوا في هذا المجال في سن مبكرة بعد أن غادروا مقاعد الدراسة.

 

تردي المستوى المعيشي من أهم أسباب العزوف عن شراء التحف الفنية

استطلعنا آراء الحرفيين حول ما إذا كان الناس يهتمون بهذه التحف و يشترونها، فأجمع الجميع على أن ثقافة شراء التحف في الجزائر تكاد تنعدم، فأغلب الأشخاص لا يعرفون قيمة التحفة و أهمية شرائها و البقية يساومون الباعة من أجل تخفيض ثمنها ثم ينتهي بهم المطاف إلى الاكتفاء بمشاهدة السلع المعروضة فقط دون شرائها، ويرى “كريم” و هو أحد الحرفيين الفنيين أن السبب الرئيسي لهذا هو تردي المستوى المعيشي للمجتمع الجزائري، فتكلفة التحفة الفنية باهظ لأنها من صنع اليد و لا يجوز مساومتها أو التخفيض من ثمنها لأن هذا يقلل من قيمتها، زيادة على هذا يلجأ العديد من الحرفيين الفنيين الذين يسعون إلى الربح السريع إلى عرض منتوجات صناعية و سلع صينية مبررين ذلك بأن العمل في الحرف الفنية لا يجنون منه الكثير من المال إلا الحرفيين القدامى الذين لديهم اسم في “الصنعة” على حد تعبير أحدهم، كما أضاف المتحدث أن استيراد السلع الصينية أثر بشكل كبير على التحف الفنية التي تتراجع نسبة شرائها مع مرور كل عام حتى أن بعض المناطق التي تعرض فيها هذه التحف أصبحت تشهد تواجدا كبيرا للسلع الصناعية الصينية التي تفتقر للمعايير الدولية و تباع بثمن أرخص بكثير من التحف الفنية ذات القيمة الكبيرة التي لا تقدر بثمن، كما أرجع بعض الحرفيين سبب تلاشي هذه المهنة إلى نقص السياح الذين يعتبرون الفئة الأكثر اهتماما بالتحف حيث يشكل هذا النقص خسارة كبيرة بالنسبة للحرفيين، و يرى البعض الآخر بأن السبب يكمن في المادة الأولية التي تعاني تذبذبا في السوق و ارتفاعا باهظا في الأسعار، مما يصعب الأمر على الحرفيين الذين يجدون أنفسهم بين التخلي عن هذه المهنة و الاستسلام للبطالة وبين متابعة العمل فيها رغم صعوبة الظروف.

 

وضع يتطلب التحسين ومسؤولون يتبنون المطالب

يعيش الحرفيون وضعا سيئا للغاية و يتخبطون في مشاكل تعيقهم عن ممارسة مهنتهم القيمة التي تدخل في إطار هوية وثقافة البلد الذي ينتمون إليه، لهذا حملت الجهات المعنية على عاتقها مشاكل أصحاب هذه المهنة وتبنت إيجاد حلول لها، حسب ما صرح به السيد عمير حسين مسؤول غرفة الصناعات التقليدية والحرف، حيث كشف عن مساهمة فعالة ستدخل حيز التنفيذ وتتمثل في انجاز مراكز شراء مهمتها شراء المواد الأولية بأسعار الجملة و إعادة بيعها للحرفيين بنفس الأسعار، كما ستقوم هذه الهيئة فيما بعد بشراء منتجات هؤلاء الحرفيين لتسويقها وطنيا وذلك من خلال توزيعها على مختلف الغرف المماثلة وكذلك ضمن التظاهرات المقامة لفائدة الصناعات التقليدية خارج الجزائر، كما تعتزم السلطات منح هؤلاء الحرفيين إعفاء ضريبيا لمدة عشر سنوات كاملة مع شراء منتجات الحرفيين بزيادة تتراوح بين ثلاثة وخمسة بالمائة من السعر الأصلي للمنتجات مع تغطيتها للتكاليف المرتبطة بنقل هذه المنتجات بعد تسويقها و هذا من أجل مساعدة الحرفيين في الحفاظ على نشاطهم الحرفي.