ميثاق الفطرة

ميثاق الفطرة

من رحمة الله تعالى بعباده أن أقام في فطرهم دليلًا على توحيده وعبادته، وذلك أنه سبحانه وتعالى حين خلق أباهم آدم عليه السلام، مسح على ظهره فاستخرج منه كل من سيولد ويخرج من صلبه إلى يوم القيامة، وأخذ عليهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا فقالوا نعم. فكان هذا الميثاق هو إقرارهم بتوحيد الله تعالى وربوبيته. وقد دل على ذلك الميثاق أدلة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله سبحانه وتعالى: “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ” الأعراف: 172، 173. وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بي”. وقد روى ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا قال: “إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة”. فكان هذا الميثاق من عقيدة أهل السنة والجماعة، فهم يؤمنون بالميثاق. إن من أعظم ما يأخذه المسلم من تذكيره بهذا الميثاق أن يعلم: أن أولى الدلائل على وجود الله تعالى دليل الفطرة الذي فطر الله تعالى العباد عليه، من أنهم يخلقون وفطرهم تلهج إلى الله تعالى بالعبادة والاعتراف بوجوده ووجوب طاعته، قال تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” الروم: 30. وروى البخاري في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء”. هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها: هي الميثاق الذي أخذه الله تعالى على خلقه في الأزل من الاعتراف بألوهيته وربوبيته سبحانه وتعالى.

من موقع الألوكة