الجمعة , 29 سبتمبر 2023

نبضة وجود

على رموش الفجر الممدود لزكاة الروح، من أدران هواجسها الخفية، تلتقط بصيرة النفس، ألوانا من صور التسامي الوجداني في لوحة متآلفة، بين خضوع الضعف لمن أوجد سكينته في حروف الدعاء المسكوبة على مطية دمع الخشية، وطول الرجاء وثقة الإيمان، بأن بركة السماء وحدها من تنير دروبنا نحو قمم الانتصار، وآفاق الشموخ والاقتدار. في تلك الأركان المتحجبة هدوء وانبساطا، يحلو للحن سماوي بتناغم روحي آسر وفريد، أن يتلو همسات من قبس منير تتطاير شذرات عبقها المميز والبسيط العميق في آن على أوتار القلب الخائف من معالم المجهول، لتشده بصدق تحقيق المبتغى وتأسره للغياب بين ثنايا سحرها والانصهار مع تفاصيل التمسك بأيدي كرمه اللامحدود، لتتوحد الأنا مع اكتمال إدراكها في لحظة انبهار يشهد العالم أن من لم يتذوق حلاوتها سيتوه عطشا في مجرات الحرمان.  لنجد أنفسنا بين جفون النور والعتمة، نتكاثف بصبر على أبواب لحظة صدق ربانية، فنشكل دثارا ملونا من ذرات الأفكار الهاربة من ملل وهن العقول المتصلبة، وقسوة القلوب المتعنتة، نسجد ونبتهل بفرح على سجادة لون الأمل المزهر بين جنباتنا، بنداء حر صارخ: أن لي بصمة هنا تتجسد في هذا الكون الفسيح .تنزل كغيث عطاء لا محدود لتزلزل الأرض في لحظة جَلد، تحمل بين ثنايا وصاياها العشر أمنيات بالكثير من الفرح ورشفات دعاء بكثير من موفور الخير العميم والصحة والهناء القريب وعميق حسن الظن والسداد والتوفيق على هدى الصراط المستقيم. هو زمن الفجر المتوقد من عزيمة إيمان، تتزاوج في سكينة مع يقين ضعف وطلب لمن لا تخيب عنده المسائل، نتوقف عند ثواني هروبه من بين أعمارنا في غفلة، لعلنا نغتنم ساعة ارتقاء وسمو، زمن يملك قدرة عجيبة على نحت قوالب أرواحنا المنكسرة بما يتناسب مع كل محطة، وكأنه يخلق منا نفسا غير التي نعرف في كل شهقة ميلاد، وصرخة وجود، تختلف هويتها رغم تكرار المرور وتوالي العبور .فندور على كعب الصبر العالي نراقص بدلال أصابع الماضي الذي أفلت، وأكف الحاضر الذي أوقد، وطيف الآتي الذي أوشك. وهكذا تتغير ملامح الظل منا على مسرح الذات وهو يفتش مع كل دور عن قناع يلائم رقعة الذاكرة التي تتجدد ولا تتبدد، تتشبث بقشة ولا تغرق بقطرة، تعبر وديان النسيان وتقطع بحور الاستسلام، بكثير من الثقة حينا وقليل من اليأس حينا آخر وسلاحها الوحيد في كل هذا، نظرات رجاء تثقب بها أفق الفضاء، وتمتمات دعاء تناجي بها رب السماء، فتَقرأ في صحف الهواء خطوط غيم، تترنح بصفاء كتب عليها بلا عناء: ما خَلقتك عبدي لتشقى، لتطمئن النفس وتهدأ وتُسبح بلا رياء ولا نفاق، (سبحانك ربي ظلمت نفسي، فاغفر ذنبي، ويسر أمري، وأصلح شأني، وأرشد قلبي، وحصن نفسي، وأسعد روحي، ليدور الزمن دورته وتبقى الروح دوما وأبدا معلقة من أهداب أوصالها بخالق الوجود تردد في نبض متناسق… سبحانك ربي لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).

بقلم: قطافي نصيرة