نعمة المنع

نعمة المنع

من النعم التي يغفل عنها كثير منا بل غالب الناس يغفلون عنها نعمة ” المَنْعِ “، وهي لعمر الله من أعظم النعم التي لا ينالها إلا من أراد الله به خيرًا. وليس المقصود بنعمة المنع أن يمنع الله عنك الابتلاء والمحن والأمراض والأسقام، وإنما نعمة المنع أن يحرمك الله الرزق الذي قد يكون سببًا لهلاكك. يحرمك المال الكثير والتجارة الرابحة التي قد تكون سببًا لغفلتك عنه، يحرمك المنصب والجاه الذي قد يكون سببًا لتكبرك على الناس. قال تعالى: ” وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ” الشورى: 27. وهذه الآية نـزلت من أجل قوم من أهل الفاقة من المسلمين تمنوا سعة الدنيا والغنى، فقال جلّ ثناؤه: ولو بسط الله الرزق لعباده، فوسَّعه وكثَّره عندهم لبغوا، فتجاوزوا الحدّ الذي حدّه الله لهم إلى غير الذي حدّه لهم في بلاده بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم، ولكنه ينـزل رزقهم بقدر لكفايتهم الذي يشاء منه. قال قتادة: “خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يُلهيك”. ولذلك قال سبحانه ” إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ” أي أن الله جل ثناؤه ذو خبرة وعلم بما يصلح عباده ويفسدهم من غنى وفقر وسعة وإقتار، وغير ذلك من مصالحهم ومضارهم، بصير بتدبيرهم، وصرفهم فيما فيه صلاحهم. وانظروا في حال قوم موسى لما رأوا قارون في ماله وغروره فتمنوا أن يكون لهم ما له وظنوا بفهمهم الضيق أن الله قد وسَّع عليه وضيق عليهم فقالوا ” يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” القصص: 79. فردَّ عليهم الذين يعلمون حقيقة النعمة ” وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ” القصص: 80. ولكن كعادة أهل الدنيا لا يرون حقيقة الأمور إلا بعد انكشافها فجاء الرد من رب العزة على هذا الذي تكبر بنعم الله عليه فأنكر فضل الله تعالى: ” فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ” القصص: 81. فَالرَّاضِي: هُوَ الَّذِي يَعُدُّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيمَا يَكْرَهُهُ، أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا يُحِبُّهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: يَا ابْنَ آدَمَ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ فِيمَا تَكْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْكَ فِيمَا تُحِبُّ.  وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ” وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ” البقرة: 216.

 

من موقع إسلام أون لاين