إن المؤمن في هذه الدنيا وقد منَّ الله عليه بالإسلام والإيمان يخشى من فتن هذه الدنيا، يخاف من الزيغ بعد الهدى، والانحراف بعد الاستقامة، يخشى على نفسه، لا سيما وأن عدو الله إبليس له بالمرصاد، فهو عدوه وعدو أبيه قبله، ” أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ” الكهف: 50، فالمؤمن يلتمس رضا الله، وهدى الله له، ويبحث عن أسباب الهداية لكي يقوم بها؛ رجاء أن يوفق للاستقامة على الهدى، وأن يلقى الله على أحسن حال؛ وقد جعل الله للهداية أسبابا، فمن أسباب الهداية توفيق الله للعبد للهدى والاستقامة على الخير، ولهذا التوفيق علامات تدل عليه غالباً.
– فمن توفيق الله للعبد أن يمنحه الأعمال الصالحة، ويعينه عليها، سواء أعمالاً بدنية كالصلاة والصوم، وأعمالاً مالية كالزكاة، وأعمالاً مركَّبة مالية وبدنية كالحج؛ ويوفقه للأقوال الطيبة، والأعمال الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله”، قالوا كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: “يوفقه لعمل صالح قبل موته”. وسُئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: “من طال عمره وحسن عمله”؛ وسُئل أي الناس شر قال: “من طال عمره وساء عمله”.
– ومن توفيق الله للعبد أن يرزقه علماً نافعا يهتدي به للخير، ويتخلص به من ظلمات الجهل والضلال؛ فإن العلم النافع سبب لخشية الله، ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ” فاطر: 28، والله جل وعلا ميَّزَ العلماءَ عن غيرهم، والعلم يأخذ المؤمن منه قدر حاجته، وما يعبد به ربه، ويعرف به دينه من حلال وحرام؛ ليكون على بصيرة من أمره، وفي الحديث: “من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين”.
– ومن علامة توفيق الله للعبد أن يهديه إلى الخير، ويمنحه الدعوة إليه، دعوة الناس وإصلاح شأنهم، فإن الدعوة إلى الله طريق الأنبياء والمرسلين، ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” فصلت: 33، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: “فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد خير لك من حمر النعم”.