هروبا من الاكتئاب والفراغ النفسي… متقاعدون يبحثون عن وظيفة جديدة

هروبا من الاكتئاب والفراغ النفسي… متقاعدون يبحثون عن وظيفة جديدة

وجد الكثير من المتقاعدين أنفسهم في رحلة بحث عن وظيفة جديدة بعد سنوات من الجد والعمل، كانت كفيلة بتوفير منحة تقاعد تمكنهم من قضاء باقي سنوات حياتهم متمتعين بالراحة والأجواء العائلية التي طالما

حُرموا منها خلال سنوات العمل.

وبين اختلاف الهدف من هذه البداية الجديدة بين باحث عن الدخل الإضافي، والرافض للراحة التي قد تخلق نوعا من الفراغ القاتل، يحاول هؤلاء جاهدين إيجاد منصب يوفر لهم الآمال المرجوة، رغم وصولهم لسن يقل فيه المجهود البدني والاستعداد النفسي لخوض غمار تجربة جديدة، تغنيهم عن الموت البطيء الذي يفرضه الفراغ، وجلسة الشوارع والحدائق العامة، والرضوخ للمشاكل الأسرية التي يخلقها الفراغ القاتل.

 

الفراغ شبح يهدد المتقاعدين

قد يتعجب البعض من مبادرة المتقاعدين الجدد في البحث الجاد عن وظيفة جديدة، إلا أن حجة هؤلاء تتمثل في عدم الوقوع في فخ الفراغ القاتل الذي يعتبر أكبر هاجس للمتقاعدين الذين لا يجدون سوى الساحات العمومية والمقاهي وأرصفة الطرقات لاحتضان سنوات غنية بالخبرة تضيع هباء، وفي هذا السياق كان لنا حديث مع موظف سابق في القطاع العمومي والذي قال: “بعد أكثر من 30 سنة عمل في القطاع، أعجز عن تخيل نفسي جالسا في مقهى أرتشف فنجان قهوة وأستسلم لفراغ يجعل تفكيري محدودا في كيفية قضاء ساعات اليوم، في حين ما أزال أتمتع بإرادة وصحة تمكناني من العمل لوقت أطول ومن العطاء، لاسيما في مجال تكوين الشباب المبتدئين وهو الأمر الذي أحاول أن أستثمر فيه ما بقي لي من سنوات عمري”، وهو نفس ما ذهب إليه السيد فرحات العامل في القطاع الصحي الذي قال:”أن الرضوخ للراحة الدائمة والتحول إلى التقاعد بعد عمل لفترة طويلة وبصفة مفاجئة، بإمكانه أن يضع الشخص في خانة من الاكتئاب الحاد والفراغ النفسي، الذي يدفعه في أغلب الأحيان إلى ملء هذا الوقت بأي شيء وأي أمر، وقد يكون في الغالب مشاكل أسرية عابرة، وقصص تافهة يبحث عنها في مقاعد الحدائق العمومية وأرصفة الطرقات وهذا الأمر الذي أحاول الابتعاد عنه منذ تقاعدي، فلا أريد أن أقع في خانة الاكتئاب والفراغ النفسي”.

 

للنساء نظرتهن الخاصة للأمور

تنتظر الكثير من السيدات العاملات، واللاتي تتحملن مسؤولية مزدوجة بين البيت والعمل، فترة التقاعد بفارغ الصبر، حيث ترى الكثيرات بخلاف الرجال أن المكوث في البيت بعد هذه السنوات الطويلة من العطاء فرصة للم شمل الأسرة والتفرغ للاعتناء بالأولاد والبيت، وهو ما أخبرتنا به السيدة فضيلة، والتي تنتظر بضع سنوات للحصول على التقاعد الذي تطمح من خلاله إلى تعويض ما فاتها من سنوات مع عائلتها، حيث قالت: “أعتقد أن التقاعد هو الحل الوحيد لأستطيع التوفيق بين أدواري في الحياة، لذا قررت التقاعد مبكرا لأستدرك ما فاتني من وقت أمضيت أغلبه في مكتبي بعيدا عن عائلتي”، وهو الرأي الذي شاطرتها فيه السيدة زينب التي كانت مجبرة على العمل طيلة حياتها لمساعدة زوجها في تغطية مصاريف البيت، غير أنها لن تتمكن من العمل لفترة إضافية بعد تقاعدها، الذي تعتبره فرصة ثمينة للراحة مع تقاضيها لمنحة تكفيها وعائلتها للعيش الكريم. 

 

دراسة تكشف: المتقاعدون الجدد أكثر نشاطا

كشفت دراسة بريطانية جديدة أن المتقاعدين هذه الأيام أصبح لديهم العديد من الأصدقاء ويعيشون حياة أكثر نشاطا، مقارنة بمن هم في مرحلة العشرينات من العمر، وتوصلت الدراسة أن الأشخاص في السنة الأولى بعد الإحالة على التقاعد يشعرون وكأنهم أصبحوا يعيشون حياة جديدة، ويميلون أكثر إلى ممارسة نشاط يومي أكثر من الشباب، كما تزيد احتمالات وجود أكثر من عشرة أصدقاء مقربين في حياتهم، وأكدت الدراسة التي أنجزتها شركة “ستاندرد لايف” الاستثمارية، أن 94 بالمائة من المتقاعدين في السنة الأولى للتقاعد تتكون لديهم “نظرة شبابية”، فيقولون إنهم لا يشعرون بأنهم متقاعدون، وأشارت الدراسة إلى أن البالغين يقولون في مرحلة العشرينات والمتقاعدين في عامهم الأول بأنهم يمارسون الرياضة ثلاث أو أربع مرات أسبوعيا، غير أن المتقاعدين بدوا أكثر حماسا للياقة البدنية مع ممارسة 17 بالمائة منهم لنشاط يومي مقارنة بـ12 بالمئة فقط من جيل الشباب، وخلصت دراسة أنجزت في وقت سابق بجامعة غرين وتش البريطانية إلى أن الأشخاص المتقاعدين يستمدون سعادتهم من لقاء الأصدقاء، وتوصلت إلى أن الحياة الاجتماعية المتميزة بالنشاط تتيح للأزواج المتقاعدين الاستمتاع بلقاء أصدقائهم أكثر من قضاء أوقاتهم مع أحفادهم، و أن هناك مزايا وعيوبا لوجود الأطفال والأحفاد أثناء التقاعد، وكشفت أن الأشياء الإيجابية لوجود أطفال وأحفاد هو أن ذلك يحمل في طياته معنى أو هدفا معيّنا، و أكدت الدراسات أن أكثر ما يزعج المتقاعد هو الشعور بالوحدة؛ لأنه بحاجة إلى التفاعل مع الآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه وكذلك إلى تلبية حاجاته النفسية والأساسية والخروج من عزلته.