تشير دراسة أنجزها مجموعة من الباحثين الجزائريين إلى أن 67 في المئة من عينة تلاميذ خضعت لبحث واستطلاع رأي يستفيدون من دروس خصوصية.
ولفتت الدراسة الإنتباه إلى أن أكثر من نصف التلاميذ الذين يتلقون دروسا خصوصية يشرف عليهم أساتذة مدرستهم، في حين يتابع البقية دروسهم الخصوصية عند أساتذة من خارج المدرسة.
وتوصلت الدراسة إلى أن 81 في المئة من التلاميذ يقصدون هذه الدروس لعدم استيعابهم لتلك المقدمة في القسم بشكل جيد، ومن بين النقاط التي خلص إليها البحث، أن “المدرسة لا تؤدي دورها بالشكل الذي يضمن استيعاب التلاميذ، بفعل الاكتظاظ وصعوبة المتابعة في القسم”.
لم تعد الدروس الخصوصية مجرد حصص دعم يلجأ إليها التلاميذ في ظروف استثنائية، بل صارت عامة، وفق ما تكشفه الأرقام حول الظاهرة، التي تحولت في كثير من الأحيان إلى مصدر قلق يزعج الآباء ويثقل كاهلهم بنفقات إضافية تفرغ جيوبهم، لأنها صارت ضرورية لدى البعض وإجبارية لدى البعض الآخر، وبات المعلم والأستاذ في قفص الإتهام، فمن جهة لضعف مستواه التعليمي وعدم حرصه على تطوير نفسه ومعلوماته عبر الزمن، ومن جهة أخرى عدم اهتمامه بالتلميذ وإمكانياته، وإهمال إيصال رسالته السامية، ويقابله الجشع والانتهازية، وتفضيل الدروس الخصوصية على إتقان واجبه المهني في المدرسة، فينظر إليه من طرف البعض بعين الريبة والشك، حيث لا يستنفد كل قواه، لأنه يباشر بعد الدوام عمله الثاني الذي يدر عليه أموالا إضافية، من شأنها أن ترفع عنه الغبن وتخفف عنه لفح تدهور القدرة الشرائية.
من دروس تقوية إلى وسيلة غش في الإمتحانات
أخذت الدروس الخصوصية منحى خطيرا في السنوات الأخيرة، حيث أنها تحوّلت إلى وسيلة غش في الامتحانات فرضت حتى على التلاميذ النجباء الجلوس على مقاعد الدروس التدعيمية الموازية بسبب منافسة أصحاب المستوى التعليمي الضعيف لهم وانتزاعهم لعلامات لا يستحقونها بفضل ما يدفعونه من أموال في هذه الأقسام الخاصة لمدرس نفس المادة. وبعد أن كان الهدف من تلقي الدروس الخصوصية تمكين التلميذ من فهم ما عجز عن استيعابه داخل القسم وتقويته في المواد التي يعاني من ضعف فيها خاصة العلمية منها، امتدت العملية إلى الاستعانة بالدروس التدعيمية حتى في المواد الأدبية كالتاريخ والجغرافيا وغيرها من مواد الحفظ بغرض الحصول على أسئلة الامتحانات من أستاذ المادة في المتوسط والثانوي، ومن معلم العربية أو الفرنسية في الابتدائي. والقضية لا تنتهي هنا بل أن تلاميذ الأقسام النهائية أيضا في اللعبة وبقوة، وأصبحوا يلجأون إلى هذه الدروس من أجل الحصول على نماذج لأسئلة الامتحانات الرسمية من مفتشين وأساتذة تعتمد عليهم وزارة التربية في إعداد أسئلة امتحانات نهاية السنة. أنيس، تلميذ بقسم نهائي في الطور الثانوي قال: ”أنا آخذ الدروس الخصوصية مضطرا لأن النجاح والحصول على علامات جيدة في الاختبار صار مقرونا بها، لأن بعض الأساتذة صاروا يتعمدون تقديم حلول مباشرة لأسئلة الامتحانات أو تقديم نماذج قريبة منها لتمكين التلاميذ الذين يأخذون دروسا خصوصية عندهم من الحصول على علامات جيدة تزيد من ثقة الأولياء في نجاعة هذا الدعم وفي إقبال تلاميذ آخرين على هذه المقاعد الدراسية غير الرسمية”.
مستودعات تتحول إلى قاعات تدريس
يتفق الكثير من الأولياء على تصاعد ظاهرة الدروس الخصوصية، التي صارت مهنة موازية يحترفها المعلمون والأساتذة، في البيوت أو المرائب في ظل انعدام أدنى شروط الراحة، فانتشرت عدواها بشكل كبير، فضلا عن ذلك يشتكي التلاميذ من الظروف السيّئة التي يتلقون فيها الدروس الخصوصية، لأنّ عددا كبيرا من الأساتذة يلجأون إلى تأجير محلاّت تجارية غير مهيّأة أو مستودعات، من دون توفير التهوية أو أجهزة تبريد أو التدفئة وأكثر من ذلك حتى الطاولات، إذ يكون التلميذ محظوظا في حال حصوله على كرسي، فالدروس الخصوصية داخل هذه المستودعات لا تخضع لأية رقابة من الجانب الصحي للتلاميذ، من منطلق أن جل المستودعات حولت إلى أقسام دراسية بوضع سبورة وكراسي عادية لا تتوافق مع المناهج البيداغوجية والصحية للتلاميذ، وفي هذا الصدد تقول أحلام من بومرداس وهي تلميذة مقبلة على اجتياز شهادة البكالوريا أنها تأخذ دروسا خصوصية في مادة الرياضيات عند أستاذة في مرآب للسيارات حولته هذه الأخيرة إلى قاعة درس، لكن أدنى شروط الراحة فيه غير متوفرة، فلا تهوية ولا مدفأة، ففي فصل الشتاء يضطر التلاميذ إلى ارتداء المعاطف من شدة البرد، بالإضافة إلى الاكتظاظ.
كما يصعب التحكم في طبيعة الدروس الخصوصية المقدمة للتلاميذ على هذا الشكل، وهو ما قد يؤثر على قدرات الاستيعاب لدى التلاميذ دون الحديث عن المبالغ المالية التي يتعين على الآباء دفعها مقابل تلقي هذه الدروس، والتي تناهز 1500 دينار شهريا للتلميذ الواحد وفي المادة الواحدة، وقد تفوق ذلك في بعض الأحيان، تقول شيماء من براقي التي ترتاد دروس الدعم في مادة المحاسبة في إحدى المدارس الخاصة بالدروس الخصوصية “نبدأ تلقي تلك الدروس من الثامنة صباحا إلى السادسة مساءً بسعر 1000 دينار في مكان أشبه بالمحل التجاري، لا يتسع لأكثر من شخصين، فإذا بنا نجد داخل القاعة أكثر من خمسين تلميذا، حيث نمر للجلوس في أماكننا بالتناوب ومن يحضر أولا يختار المكان الأفضل.
… وبيوت تحول إلى قاعات دروس هي الأخرى
لقد أصيب الكثير من المعلمين بأنفلونزا الدروس الخصوصية، بعد أن ارتدوا ثياب الجشع وأخذوا منحى تجاريا هدفهم في ذلك تحقيق الربح، حيث تقول خديجة من باش جراح أن أستاذة في اللغة الإنجليزية وزوجها أستاذ في مادة الرياضيات في الطور الثانوي، مارسا هذا العمل الإضافي لعدة سنوات وتمكنا من اقتناء شقة مجاورة لشقتهم، وبعدها خصصاها لتقديم الدروس الخصوصية وتنشط في الخفاء بعيدا عن أعين أي رقابة.. إلى ذلك تقول أستاذة في التعليم الابتدائي في القبة بالعاصمة، أنها تقوم بتقديم دروس خصوصية لكل السنوات من السنة الأولى إلى الخامسة في مادة الفرنسية في منزلها الخاص مقابل 1500 دينار لساعتين فقط للتلاميذ داخل المجموعة، أما في حال أراد التلميذ تلقي الدروس انفراديا فيتضاعف السعر، فهذه الدروس أصبحت أسهل طريقة في الوصول إلى جيوب التلاميذ، وفي هذا الصدد تقول سامية من الرويبة إن أستاذة في مادة الفيزياء بالرغاية كانت تقدم دروسا خصوصية لجميع السنوات من المتوسط إلى الثانوي في شقة، وفي كل غرفة نجد أكثر من ستين تلميذا، وأمام الضغط الكبير الذي واجهته لجأت إلى إغراء التلاميذ بحصة انفرادية من السادسة إلى الثامنة صباحا، ومن الثامنة مساءً إلى العاشرة ليلا مقابل 2500 دينار للحصة الواحدة، لكن الدفع يكون مسبقا، أي قبل بداية الدروس، بل أكثر من ذلك، حيث كانت تطالبهم بمستحقات الشهر الثاني قبل نهاية الحصة الثالثة من الشهر الأول، ولا يختلف الأمر كثيرا مع الهادي وهو أستاذ ثانوي في مادة الرياضيات الذي يعرض دروسا خصوصية على تلاميذ في منازلهم الخاصة في الجزائر الوسطى وبوزريعة والقبة بأسعار تتراوح بين 1200 دينار و1600 دينار للحصة الواحدة التي تدوم ساعة و45 دقيقة فقط، فأضحى تحقيق مداخيل إضافية كل ما يشغل بال جل الأساتذة اليوم.
الأسباب بأعين باحثين
إذا كانت آراء التلاميذ وأوليائهم وأساتذتهم متباينة بشأن الدروس الخصوصية، فإن آراء باحثين أيضا تختلف في تفسير انتشار اظاهرة الدروس الخصوصية في المجتمع الجزائري.
فبالنسبة للباحث في علم الاجتماع، رشيد بن يامين، فإن انتشار الدروس الخصوصية مرتبط “بتخبط وتغيير المناهج التربوية، منذ بداية سنة 2000″، إلى جانب “عدم وجود وقت كاف لتحضير الأساتذة وتكوينهم”.
هذا الوضع، يضيف بن يامين، حد من قدرة من الأساتذة على التكيف وفهم سبب اضطرار التلميذ إلى البحث عن بدائل أخرى.
ويزيد الباحث في علم الاجتماع على هذه الأسباب عوامل أخرى بينها “ارتباط بعض التخصصات بالتوظيف، والذي يجبر العائلات على اللجوء إلى هذه الدروس للرفع من مستوى أبنائهم لضمان مستقبلهم بالدخول للمدارس العليا مثل مدارس الطب والصيدلة وغيرها”.
ويحمّل بن يامين الأسرة مسؤولية ما يحصل، حسبه، معتبرا إياها أنها “تخلت عن دورها وعوضته بفاعلين آخرين”.
أما الباحثة في علم اجتماع الأسرة، فريدة مشري، فإنها تعتبر انتشار الدروس الخصوصية “ظاهرة تربوية”.
وتعلل مشري منظورها بالقول إن هذه الدروس أصبحت مطلوبة حتى في المستويات الأولى من التعليم، بعدما كانت مقتصرة على المستوى الثانوي.
هذا التحول، ترجعه فريدة مشري، إلى ترسخ قناعة عند أولياء التلاميذ بأن المدرسة لم تعد قادرة على متابعة أبنائهم.
وتنتهي الباحثة ذاتها إلى خلاصة مفادها أن الدروس الخصوصية باتت بمثابة مدرسة موازية.
لمياء. ب