الحَمْدُ لِلَّهِ الكَرِيمِ الجَوَادِ، الغَنِيِّ وَاسِعِ العَطَاءِ كَثِيرِ الإِمْدَادِ، لا تَنْقُصُهُ نَفَقَةٌ، وَلا تَضِيقُ بِهِ الأَعْدَادُ، يُعْطِي بِلَا مَنٍّ، وَيَهْدِي سُبُلَ الرَّشَادِ، أَمَرَ بِالخَيْرِ، وَجَعَلَ فِي طَاعَتِهِ السَعَادَةَ والتوفيق والسداد. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي المُلْكِ ، وَاسِعُ الرَّحْمَةِ، سَرِيعُ الحِسَابِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ العِبَادِ، مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَادٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَهْلِ الرَّشَادِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ: “وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” الحج: 77. أَيُّهَا الأَحِبَّةُ، تَأَمَّلُوا هَذِهِ الكَلِمَاتِ الرَّبَّانِيَّةَ، القَصِيرَةَ فِي حُرُوفِهَا، العَمِيقَةَ فِي مَعْنَاهَا، الجَامِعَةَ لِكُلِّ بَرٍّ، وَالمُرْشِدَةَ لِكُلِّ فَلَاحٍ، الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ سَبِيلَ النَّجَاحِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لا يَكُونُ إِلَّا بِفِعْلِ الخَيْرِ. الخَيْرُ لَيْسَ حِكْرًا عَلَى الأَغْنِيَاءِ، وَلا مَقْصُورًا عَلَى الأَقْوِيَاءِ، بَلْ هُوَ مُتَاحٌ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ، وَفِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. الخَيْرُ بَابٌ وَاسِعٌ، لا يُغْلَقُ، وَمِيدَانٌ رَحْبٌ لا يضيق، الخَيْرُ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ، وَتَبَسُّمٌ فِي وَجْهِ مُسْلِمٍ، وَإِعَانَةُ عَاجِزٍ، وَكِسْوَةُ يَتِيمٍ، وَسُقْيَا ظَمْآنٍ، وَصَدَقَةٌ فِي سِرٍّ، وَنَصِيحَةٌ فِي لُطْفٍ، وَدَعْوَةٌ فِي ظَهْرِ غَيْبِ، وَتَعْلِيمٌ جَاهِلٍ، وَسَتْرٌ لِعَارٍ، وَإِصْلَاحٌ بَيْنَ النَّاسِ، وإماطة أَذًى عَنِ الطَّرِيقِ. فَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. الخَيْرُ – عِبَادَ اللَّهِ – عِبَادَةٌ وَاسِعَةٌ، لا تَحْتَاجُ جُهْدًا كَبِيرًا، وَإِنَّمَا تَحْتَاجُ قَلْبًا رَحِيمًا، وَنِيَّةً صَادِقَةً، فَهَذَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ جَبَلًا مِنَ الخَيْرِ، جَوَادًا كَالرِّيحِ المُرْسَلَةِ، لا يَرُدُّ سَائِلًا، وَلا يُخَيِّبُ طَالِبًا، يَبِيتُ جَائِعًا لِيُشْبِعَ غَيْرَهُ، وَيَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُحْسِنُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ. وَهَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ لِيَجْعَلَهَا صَدَقَةً جَارِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ يَعْتِقُ الرِّقَابَ، وَيُخْرِجُ مَالَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا أَبُو الدَّحْدَاحِ الأَنْصَارِيُّ يُقْرِضُ بُسْتَانَهُ كَامِلًا لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَفِيهِ سِتُّمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَيُتَرْجِمُ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فِعْلَ الخَيْرِ بِشَكْلٍ آخَرَ، وَبِصُورَةٍ بَدِيعَةٍ، فَيَقُولُ: “مَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا وَأَنَا عَلَى وُضُوءٍ”، وَقَالَ: “مَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَّا وَأَنَا أَشْتَاقُ إِلَيْهَا”. وَهَذَا التَّابِعِيُّ الجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينٍ يُسَابِقُ الزَّمَانَ، وَيُلَاحِقُ اللَّحَظَاتِ، وَيُسَارِعُ إِلَى الخَيْرَاتِ: كَانَ يَدْخُلُ إِلَى السُّوقِ نِصْفَ النَّهَارِ، فَيُكَبِّرُ اللَّهَ، وَيُسَبِّحُهُ، وَيَذْكُرُهُ، فَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: “إِنَّهَا سَاعَةُ غَفْلَةِ النَّاسِ”. وَالقَائِمَةُ طَوِيلَةٌ أَيُّهَا الكِرَامُ.، فأَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ مَا الَّذِي يَمْنَعُنَا أَنْ نَغْتَنِمَ سَاعَاتِ العُمُرِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ؟ وَاللَّه لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ؟
الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر