وحّدت الصف العربي وجمعت حولها الأمة.. الثورة الجزائرية.. النضال الذي ولدته الآلام والآمال المشتركة

وحّدت الصف العربي وجمعت حولها الأمة.. الثورة الجزائرية.. النضال الذي ولدته الآلام والآمال المشتركة

* الدول العربية.. السند الذي لن تنساه الجزائر


كانت الشعوب العربية، بمختلف تياراتها الاجتماعية والسياسية والفكرية والعسكرية، تنظر إلى ثورة الجزائر وانتصارها على أنها دعامة لأقطار المغرب العربي في الشمال الإفريقي، وللأمة العربية والإسلامية قاطبة، وهو الأمر الذي كان يشكل قوة في مواجهة الهيمنة الإمبريالية الغربية، ويعيد للقيم الإنسانية ألقها، وللحضارة العربية الإسلامية حضورها، من حيث دور الجزائر بإمكاناتها ووزنها الفاعل عربيًا وإسلاميًا.وتحفظ صفحات الكفاح والتحرر المضيئة للشعب الجزائري الجهود والتضحيات التي بُذلت، والأيادي البيضاء التي مُدت لها ووقفت بجانبها ضد المستعمِر الفرنسي، الذي طال عهد استعماره للجزائر ما يزيد على قرن وثلاثة عقود.

 

الثورة الجزائرية هزت الضمير العربي

هزت الثورة الجزائرية الضمير العربي، وكانت حافزا له على تأكيد روابط الأخوة والشعور بوحدة المصير، حتى أصبحت الثورة قضية كل العرب.وفي الذكرى الـ 68 لاندلاعها، نستحضر صورًا من المساندة القومية لثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، فقد ظهر تضامن البلدان العربية وشعوبها منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة، بشكل متفاوت الحجم والنوع في الميدان، لأن بعضها كان لا يزال يعيش هو نفسه تحت الاحتلال أو الحماية.

 

مصر تتحول إلى جزائر ثانية إبان الثورة

كان للتأييد المصري أهمية بارزة وتأثير إيجابي على مسار الثورة الجزائرية يَعترف به كل من درس بعمق تاريخ الثورة الجزائرية وقلب في صفحاتها الزاخرة. فعندما اندلعت الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى تحولت القاهرة إلى جزائر ثانية في عهد الضباط الأحرار والرئيس الراحل جمال عبد الناصر بلا منازع.

 

مسيرات حاشدة وفعاليات طلابية تغزو المدن المصرية

لاقى الكفاح البطولي الذي بدأ به الجزائريون صداه الواسع في القاهرة، وكانت إذاعة “صوت العرب” تنطق باسم الشعب الجزائري بالنصر والتحرير، وكانت القاهرة أول عاصمة عربية أذاعت بيان ثورة الجزائر في نوفمبر 1954. ولم تتوقف مسيرات ومظاهر التأييد للشعب الجزائري في مصر. فقد ضجت الشوارع بالأناشيد الحماسية، وشهدت الميادين عشرات الفعاليات الطلابية والنقابية، وكثرت التعليقات السياسية، وترددت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الجهاد والشهادة في سبيل الله من أجل الحرية وكرامة الأمة في ساحات القاهرة ومدن مصر الكبرى.

 

تأييد معنوي ومادي عالي المستوى

اكان الرئيس عبد الناصر نفسه، أو عن طريق مستشاره الشخصي فتحي الديب، يشرف على عملية التأييد المعنوي والمادي للثورة الجزائرية، والتأكيد من تعميق قوة التضامن المصري مع الجزائر، بما فيها حتى حضوره الأسابيع الخاصة للتضامن مع الشعب الجزائري، والتي كانت تنظم دورياً عبر أنحاء التراب الوطني المصري، متضمنة جمع التبرعات المالية والتعبئة المعنوية والإعلامية، تنظمها وتنشطها القيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس جمال عبد الناصر وتحت إشراف القيادة المصرية.

 

إمداد بالسلاح وتدريب عناصر الجيش

قدرت أول شحنة سلاح من مصر نحو الجزائر بحوالي 8000 جنيه مصري، وتم تمريرها عن طريق ليبيا، وكانت أول صفقة سلاح من أوروبا الشرقية بتمويل مصري حوالي مليون دولار، ومعظم الأموال 75% التي كانت تقدمها جامعة الدول العربية للثورة الجزائرية والمقدرة بـ 12 مليون جنيه سنوياً كانت تأتي من مصر، وأهم التدريبات العسكرية الفعالة لجيش التحرير الوطني خارج الجزائر كانت تتم بمصر.

أحمد بن بلة وفتحي الديب.. تعاون قوي بدم أخوي    

كان التنسيق بين أحمد بن بلة وفتحي الديب مندوب المخابرات المصرية على مستوى عال جداً، للبحث في الوسائل والطرق التي تكفل توفير السلاح والذخائر للمجاهدين. وكانت الخطة المسطرة هي استعمال كل الطرق للحصول على الأسلحة، فكانت تشترى من المهربين الدوليين عن طريق مصر، وهم يقومون بعد ذلك بإيصالها إلى أماكن محددة داخل التراب الجزائري، وفي حالة فشل عملية من عمليات الشراء يتم تزويد الثوار بالأسلحة من مخازن الجيش المصري.

وكانت الأسلحة والمؤونة الحربية تصل إلى الجزائر باستعمال السفن المصرية من جهة، واستئجار سفن أجنبية من جهة أخرى إذا اقتضت الضرورة، وكانت عمليات إمداد جيش التحرير بالأسلحة في بداية الأمر تتم بواسطة السفن المصرية، إلا أن القيادة المصرية استبعدت قضية شحن السفن المصرية لما لها من تأثير سلبي على سمعة مصر إقليمياً ودولياً في حالة اكتشافها من طرف السلطات الاستعمارية، وفي مارس 1955 تم شحن “اليخت دينا” بالسلاح إلى المجاهدين الجزائريين بعد أن تم تأجيرها من طرف مصر.

 

العراق.. تعبئة شعبية، مد بالسلاح ودعم في المحافل الدولية

شارك العراقيون في كفاح الشعب الجزائري على المستويين الرسمي والشعبي، وقد مَرَّ الموقف العراقي تجاه الثورة الجزائرية بمرحلتين، الأولى أثناء النظام الملكي الذي تمت الإطاحة به في جويلية 1958، والثانية في عهد الجمهورية العراقية الأولى وحكومة عبد الكريم قاسم.

دعم الثوار الجزائريين بأدق الأسلحة كان التنسيق بين العسكريين العراقيين والجزائريين مكثفاً ومنظماً وسرياً، والنقل كان مباشرة عن طريق الطائرات العراقية نزولاً بليبيا، بإشراف مباشر عراقي جزائري، بالتنسيق مع السلطات الليبية، ولم يتوقف الطيارون العراقيون عن إيصال السلاح للمكان، وفي الموعد المحدد، وقدم العراق للجزائر حتى أدق الأسلحة، وأجهزة اتصال عسكري يصعب الحصول عليها في مكان آخر، لأن العراق تحصل عليها من منظمة الحلف الأطلسي عندما كان عضواً في حلف بغداد قبل انقلاب عبد الكريم قاسم.

 

تدريب الطلبة الجزائريين تحت نفقة الدولة

سمحت الحكومة العراقية للطلبة الجزائريين بالتدريب في كلياتها العسكرية، وذلك تحت نفقتها، حيث بلغ عدد الخريجين الجزائريين من هذه الكلية العراقية الحربية ما يقارب الأربعين عسكرياً برتبة ملازم ثان، هذا إلى جانب كلية الطيران التي استقطبت ما يقارب 27 طالباً عام 1962 منهم خمسة طيارين.

 

مقاطعة العراق للحكومة الفرنسية

ومن أبرز المواقف العراقية تجاه الثورة الجزائرية التي سجلها لها التاريخ، قرار الحكومة العراقية في 13 نوفمبر 1958 بوقف كل نشاط اقتصادي وتجاري للفرنسيين في العراق، وكان لهذا القرار تأثير سلبي كبير على المصالح الاقتصادية الفرنسية بالعراق،  بحيث أن 70% من المشاريع العراقية الكبرى مثل الطرق، وإقامة الجسور وبناء السدود، والمنشآت العامة والمصالح الكبرى، كانت تنفذ من طرف شركات فرنسية، واعتبرت مجلة “المجاهد” هذا القرار موقفاً رائعاً جاء تدعيماً عملياً لثورة الجزائر، وتعبيراً قوياً عن وحدة النضال العربي الذي صهرته بوتقة الآلام والآمال المشتركة، مشاعر قومية تأصلت في أعماق النفس العربية أجيالاً طويلة لتظهر اليوم كأشد ما تكون حرارة وحيوية وقوة.

 

مظاهرات جماهيرية وإحياء ذكرى أول نوفمبر

على المستوى الجماهيري كان الانسجام متكاملاً وقوياً، من أجل التعبئة المعنوية والمادية للمعركة المقدسة في الجزائر ضد الفرنسيين، بما فيها المظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية المتكررة والمكثفة دورياً وفي كل مناسبة، وعلى رأسها ذكرى أول نوفمبر التي مثلت حدثاً بارزاً في العراق، وأعطيت اهتماماً خاصاً من طرف العراقيين حكومة وشعباً.

وقد خصصت الدولة العراقية عشر دقائق يوميا للتعريف بالثورة الجزائرية في المدارس، كما كانت إذاعة بغداد تخصص برنامجاً يومياً حول الثورة الجزائرية لمضاعفة تدعيم وتعبئة الشعب العراقي والعربي بصفة عامة للوقوف لجانب إخوانهم بالجزائر.

 

هجوم قوي ضد كل ما يؤثر على مسار الثورة

على مستوى العلاقات الثنائية الرسمية، وصل الموقف العراقي لدرجة النقد والهجوم القوي ضد أي إجراء يمس أو يؤثر مباشرة أو غير مباشرة على مسار حرب التحرير الجزائرية، حتى ولو حدث ذلك مع دولة مثل الاتحاد السوفياتي التي تهم المصالح الوطنية الحيوية للعراق، فعبد الكريم قاسم الرئيس العراقي دون تردد حذّر خروتشوف الرئيس السوفياتي من زيارة حاسي مسعود بالجزائر، معتبراً ذلك مساساً بالعلاقات الثنائية بين العراق والاتحاد السوفياتي والعلاقات العربية السوفياتية ككل.

 

سوريا.. النفس والنفيس لدعم الثورة التحريرية

بداية الحديث عن الدعم السوري للثورة الجزائرية يكون بذكر كلام الرئيس شكري القوتلي الذي لخص الموقف السوري في كلام حفظه التاريخ وبقي راسخا، فقد أكد شكري القوتلي للوفد الجزائري الذي زار سوريا في مارس 1957: “إن سوريا مشتركة معكم في القتال، إن أردتم سلاحاً أمددناكم بالسلاح، وإن أردتم مالاً عندنا ما نستطيع بذله، وإن أردتم رجالاً فرجال سوريا مستعدون لخوض الوغى إلى جانبكم، أقول لكم هذا علناً وجهراً لكي تسمع فرنسا قولنا، ولكي تعلم أننا قوم جد لا هزل، وأنا أكلم قائد الجيش السوري هنا أمامكم ليفتح مخازن الذخيرة حتى يأخذ منها المجاهدون الجزائريون ما يريدون، لقد عقدنا العزم النهائي على أن نموت أو نحيا معاً، وستكون لنا الحياة الحرة الكريمة بإذن الله”.

 

تسهيل اقتناء الأسلحة وجلبها للجزائر

سهلت الحكومة السورية عملية جلب الأسلحة واقتنائها للجزائر، وقامت بفتح حدودها مع العراق وجعلتها منطقة عبور للأسلحة، وهذا بناء على الاتفاق الثنائي بينهما.ولا يخفى علينا أن سوريا كانت تعيش في تلك المرحلة حالة نشوة بعد تحقيق الاستقلال عن الفرنسيين عام 1946، وتحديث جيشها وبناء علاقاتها الخارجية في مطلع الخمسينيات ووقوفها في معسكر مناوئ للتوغلات الرأسمالية والمطامح الغربية، هذا الأمر جعل موقف الحكومة والشعب السوري متميزًا في التأييد المطلق للثورة الجزائرية.

 

يوم الجزائر في سوريا

في يوم 10 رمضان عام 1377هـ الموافق 30 مارس 1958، كانت دمشق العاصمة السورية على موعد مع يوم الجزائر الذي تميز بإقامة الاحتفالات والمهرجانات الثقافية، أبرزها ذلك الاحتفال الذي أقيم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي، وبحضور العديد من الوزراء والشخصيات البارزة.

 

هيئة لجمع الأموال والتبرعات

تم تشكيل هيئة بالعاصمة السورية دمشق يتمثل عملها في جمع التبرعات المالية للثورة الجزائرية، وقد عرفت هذه الهيئة بجماعة أسبوع الجزائر، حيث كانت تقدم الأموال بعد جمعها إلى مكتب جبهة التحرير الوطني الجزائرية بدمشق، وهو من جانبه يقوم بوضعها في أحد البنوك هناك، وكان عمل جماعة أسبوع الجزائر تجاه الثورة الجزائرية بتوجيه من الرئيس شكري القوتلي، وبأمر منه. وخلال الأسبوع الجزائري في مارس 1957 مثلاً تسلم الوفد الجزائري 1.800.000 ليرة سورية و49،130،132 دولارًا بصكوك موقعة من الرئيس القوتلي نفسه، وفي نفس السنة تسلم ممثل مكتب جبهة التحرير الوطني بدمشق صكاً آخر قدره مليار وخمسة ملايين فرنك.

فتح المجال لمن أراد التطوع من السوريين

فتحت سوريا باب التطوع لكل السوريين سواء الوسط الشعبي أو الوسط العسكري للتوجه لساحة المعركة في الجزائر، وبالتالي أصبحت الرغبة في الجهاد لدى السوريين أمراً ضرورياً، لأنه نصرة لإخوانهم الجزائريين الذين هم بأمس الحاجة إليهم أكثر من أي وقت مضى. ومن هذا المنطلق توافد على أرض الجزائر بعض الإخوة السوريين الذين انضموا إلى صفوف الثورة المباركة، ودعموها بضباط سامين ساهموا بدرجة كبيرة في تدريب وتوجيه أفراد جيش التحرير الوطني في الجبال وتلقينهم الأساليب الحربية الجديدة.

الغذاء مطلب آخر وفرته سوريا

إذا كان السلاح بالنسبة للجزائريين قضية ضرورية، فإن المواد الغذائية هي الأخرى كانت ذات أهمية، ودعمت سوريا جبهة التحرير الوطني بكمية كبيرة من القمح بحوالي ألفي قنطار من القمح السوري مجاناً، واستمر الدعم العسكري بالسلاح والعتاد لثوار الجزائر، وتدريب فرق من أعضاء جيش التحرير بما فيها التدريب على الطيران العسكري. وكان الطلبة الجزائريون هناك يعاملون كسوريين ويشاركون الاحتفالات والأعياد الوطنية الرسمية كجنود وضباط سوريين مرتدين الزي العسكري السوري، ويشاركون حتى في الاستفتاءات الوحدوية مثل الاستفتاء على الوحدة بين سوريا ومصر.

إشراك الجزائر في كل الأحداث الوطنية

بهدف تدعيم الوجود السياسي الجزائري دولياً، عملت سوريا على استغلال أي حدث وطني بسوريا له طابع دولي للتحسيس بالقضية الجزائرية وإشراك الجزائر مباشرة فيه، مثلما حدث في معرض دمشق الدولي “أكتوبر 1957″، وأثار الجزائريون فيه دوياً، حيث استغل ممثلو الجزائر هذه التظاهرة لدعم قضيتهم، واللقاء مع الوفود الرسمية بتشجيع وتنسيق قادة الحكومة السورية، وعلى رأسهم الرئيس القوتلي نفسه، وخلال زيارته لجناح الجزائر أكد القوتلي وقوف حكومته دون تحفظ بجانب أي قضية عربية ذات بعد قومي، داعياً العرب حكومات وشعوباً إلى مد يد العون وتأييد الجزائر في جهادها ضد الاستعمار.

 

قطر.. دور ريادي في نصرة الثورة الجزائرية

شاركت دولة قَطر حكومةً وشعبًا في دعم الثورة الجزائرية، وقامت بمناصرتها معنويًا وماديًا خاصة في عهد الأمير علي بن عبد الله آل ثاني.

ولم تدَّخر قطر جهودها في دعم مسيرة الشعوب العربية في التحرر والكفاح واستعادة الحقوق المسلوبة، سواء على المستوى الرسمي والشعبي. إنما على العكس ناصرت قضايا الجزائريين، رافضة الظلم والقهر الذي فرضته آلة المستعمر والمستبد على الشعوب الحرة، وحتى وقتنا الحاضر.

 

تحية المجاهدين بعد تحية العلم القطري

في المدارس القطرية كان التلاميذ يقومون بتحية المجاهدين بالجزائر بعد تحية العلم القطري، ويرددون أبياتا ثورية جزائرية، ويحتفظ متحف المجاهد بصورة الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني، وهو ينشط داخل المدارس لجمع التبرعات المالية والمادية لدعم حرب التحرير الجزائرية، وشارك في التعبئة الجماهيرية داخل المدارس لمساندة الشعب الجزائري في صراعه مع الاستعمار الفرنسي، لذلك ومن باب الامتنان قُلد أمير دولة قطر وسام الاستحقاق “أصدقاء الثورة الجزائرية” خلال زيارته للجزائر ديسمبر 1996 عرفانًا له بهذه الجهود.

وكانت الأناشيد الوطنية الجزائرية تردد يوميًا في المدارس، وكانت التجمعات الطلابية دوريًا تدين الاستعمار الفرنسي وتدعو لمقاطعة البضائع الفرنسية. وللأمانة فالدعم المعنوي المالي لم يكن فقط من الشعب القطري، بل كذلك من السلطات القطرية نفسها عن طريق تخصيص أموال خاصة بالثورة الجزائرية، بالإضافة إلى فرض رسوم على الكثير من الخدمات لصالح الثورة الجزائرية، وسمحت بتأسيس لجان لجمع التبرعات المختلفة من حلي وذهب وأشياء مادية أخرى.

تسليم قصر الأمير للوفد الجزائري المفاوض

أهم حدث ميز الموقف القطري تجاه الثورة الجزائرية هو المبادرة القوية التي قام بها أمير دولة قطر أحمد بن علي بن عبد الله آل ثاني عام 1961، عندما سلم قصره المتواجد في سويسرا لوفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، الذي كان يجري مفاوضات مع الحكومة الفرنسية حول تقرير مصير الجزائر، وكان هدف أمير قطر هو أن تكون للوفد الجزائري المفاوض كامل الحرية المطلقة في تحديد قراراته حول مستقبل الجزائر، دون أي ضغط من أية جهة غربية أخرى، وقد رفع العلم الجزائري على مدخل القصر وقام أمير قطر آنذاك بتمويل وتموين وتوفير احتياجات الوفد المفاوض في إيفيان، وشعر الوفد وكأنه يتفاوض على أرضه بعيداً عن أية مضايقات.

استقبال حار للوفود الجزائرية

وكانت الوفود الجزائرية المكلفة بالتعبئة والإعلام حول بشاعة الاستعمار الفرنسي؛ تجد استقبالًا حارًا وتحية متزايدة على المستوى الشعبي وعلى مستوى الدوائر الحكومية. وكان الاهتمام الإعلامي القطري بالثورة الجزائرية مكثفًا، وتنقل للشعب القطري أحداث حرب التحرير الجزائرية، وتلقي محاضرات وتنظم ندوات تنشطها وفود جزائرية زارت قطر دوريًا. وخرج القطريون في الشوارع للتعبير عن فرحتهم بالانتصار عند إعلان استقلال الجزائر يقولون: تعلمنا من الثورة الجزائرية الصبر والعز والكرامة.

 

السعودية.. القضية الجزائرية فوق القانون وتشريع الدولة

عندما نقرأ تاريخ الكفاح في الجزائر نجد دورًا بارزًا للسعودية في عهد ملوكها سعود بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير فيصل بن عبد العزيز -رحمهما الله- في دعمه، بل والوقوف في خنادق الثوار الجزائريين حتى نيل الحرية والاستقلال.

 

سياسة الملك سعود: “أنتم لستم جزائريين أكثر مني”

يمكن تقييم الدعم السعودي للثورة الجزائرية من خلال حوار الملك سعود بن عبد العزيز والأمير فيصل عند استقبال الوفد الحكومي الجزائري برئاسة السيد فرحات عباس، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة بحضور رئيس مجلس الوزراء والأمراء، وكبار أعيان المملكة في 6 مارس 1959: “بأنكم لستم جزائريين أكثر مني.. وبأن القضية الجزائرية هي قضية مقدسة، وبذلك هي فوق القانون وتشريع الدولة، ويجب تعطيل القوانين إذا هي وقفت في وجه ما تتطلبه من الجهاد في الجزائر”. ولم تبد السعودية تحفظاً في تأييدها للقضية الجزائرية حتى ولو أدى ذلك إلى التأثير السلبي على علاقاتها الودية مع الغرب، وذلك ما يمكن إبرازه من خلال تأكيد الملك سعود خلال استقباله الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد هامر شولد في 9 جانفي 1958.

 

قطع العلاقات مع فرنسا حتى تستقل الجزائر

وقال الملك السعودي آنذاك: “إن علاقتنا السياسية مع فرنسا متوقفة على حل القضية الجزائرية حلاً يعيد لأهلها العرب حريتهم واستقلالهم، وإن العرب مرتبطون معهم برابطة الأخوة التي لا تنفصم.. وإن البلاد العربية لن تكتفي بإرسال المساعدات المالية لإخوانهم المجاهدين، بل إنني أقترح على الدول العربية اتخاذ خطوة إيجابية جديدة وهي مقاطعة فرنسا حتى تقر حق إخواننا الجزائريين في حريتهم واستقلالهم”.

وكرر الملك سعود ذلك باستمرار، واحتفالاً بالذكرى السابعة “1961م” لثورة نوفمبر، وجه الملك خطاباً في الإذاعة السعودية أكد فيه أن المملكة العربية السعودية لن تعيد علاقتها الدبلوماسية مع فرنسا إلا بعد استقلال الجزائر، وأكد أنه سيبقى السند المتين للثورة الجزائرية.

 

مدد مالي ولوجستي سعودي للشعب الجزائري

قال أحمد توفيق المدني أحد ممثلي جبهة التحرير في الخارج: كانت الضيافة ـ بالرياض ـ ممتعة وقابلنا الملك سعود بن عبد العزيز مقابلة حارة، واستمع إلى كلامي في تفهم عميق، وقال: أبشروا سيكون لكم بحول الله ما تطمئن إليه قلوبكم، ومما قاله: قررت أننا نقوم بعد شهر بفتح اكتتاب شعبي عام، أبدأ فيه بنفسي وأضع فيه مقداراً جسيماً ويشارك فيه الأمراء، ويشارك فيه الشعب، وستكون النتيجة فوق ما تتصورون.

من بين المساعدات المالية الخاصة التي كانت تقدمها السعودية هو تقديم مليون جنيه إسترليني للحكومة الجزائرية المؤقتة، وبهذه المناسبة وجّه السيد فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة رسالة إلى الملك مؤكداً فيها أنه: لا يسعني يا صاحب الجلالة إلا أن أرفع إلى جلالتكم شكري الصادق، واعتراف وتقدير حكومتي وشعب الجزائر لما بذلتم وتبذلونه في سبيل نصرة قضيتنا، التي هي قضية الأمة العربية التي باعتزازها يعز الإسلام.

لاقت قضية الجزائر وثورتها ضد فرنسا الإسناد والدعم في عهد الملك سعود وأخيه فيصل، وكانت لهم أيادي بيضاء في انتصارها بالمحافل العربية والدولية. ووقفوا مع شعب الجزائر حتى نال حريته وكرامته، وظلوا اليد الحانية على أبنائه خلال عهود الاستقلال والإعمار وبناء الدولة الوطنية فيها.

واستمرت المملكة العربية السعودية تدافع عن حق الجزائر في الحرية والاستقلال حتى تحررت الجزائر، وكانت لها صولات وجولات على منبر الأمم المتحدة، ففي دورة عام 1956 كشف الوفد السعودي لوفود الدول الحاضرة في الجمعية العامة جرائم الاستعمار الفرنسي المرتكبة في حق الشعب الجزائري الأعزل، إلى جانب كل أنواع الإرهاب والتعذيب والتقتيل الفردي والجماعي المرتكبة في حقه.

 

السودان.. دعم الثورة وإدانة المستعمر بكل الطرق

لم يوقف السودان احتفالاته الدورية بالذكرى السنوية لثورة نوفمبر في الجزائر، سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي. ففي هذه المناسبة كانت تتضاعف تعبئة وتحسيس الشعب السوداني بالعمل على زيادة الدعم المعنوي والمادي لإخوانهم بالجزائر، وإدانة الاستعمار الفرنسي بكل الطرق والأشكال.

فقد لعبت السودان دورًا فاعلًا خاصة مع الدول الإفريقية المجاورة للوقوف بجانب مطالب جبهة التحرير الجزائرية، وكان له تأثير إيجابي على إثيوبيا لاتخاذ موقف لصالح القضية الجزائرية في منظمة الأمم المتحدة. وفي جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1960، تحدث ممثل السودان أحمد الصياد مناصرًا للجزائر، وخطب في الجمعية العامة قائلًا: “الحكومة الجزائرية تتصف بالنضج السياسي وتسلك سياسة سليمة، إن حكومتي تُساند طلب الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بإجراء استفتاء تنظمه وتراقبه الأمم المتحدة”.

استعداد للدعم رغم قلة الإمكانيات

وخلال زيارة فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة للسودان عام 1959، وجد الوفد الجزائري ترحيبًا خاصًا واستعدادًا كبيرًا لتدعيم حرب التحرير الجزائرية. وخلال هذه الزيارة أكد الرئيس السوداني الجنرال إبراهيم عبود للوفد الجزائري: “رغم أننا ماديًا فقراء، إلا أننا نقوم بواجبنا فوق استطاعتنا”.

واستمر كفاح حكومة السودان الثورية لأجل استقلال الجزائر، ففي الذكرى السابعة لثورة نوفمبر عام 1961 طالب السيد طلعت فريد عضو المجلس الأعلى للثورة السودانية ديغول بالاعتراف باستقلال الجزائر، وإلا فإن الجزائريين سيفرضون إرادتهم ويجبرونه على الخروج من الجزائر مكللًا بالعار. وأرسلت السودان عن طريق سفيرها بالقاهرة مبلغًا ماليًا حسب طاقتها لجبهة التحرير الجزائرية، وفي عام 1961 كان مؤتمر الاتحاد الدولي للنقابات العربية الذي كان يضم نقابة العمال في مصر والعراق وليبيا واليمن والسودان، وكان يضم أكثر من ستة ملايين منخرط من العمال العرب، وفيه تم اتخاذ قرار هام تضمن التدابير الضرورية واللازمة من مقاطعة البضائع الفرنسية إلى جانب وسائل النقل من بواخر وطائرات.

ندوات ومظاهرات نصرة للشعب الجزائري

كما افتتحت جبهة التحرير الجزائرية مكتبها رسميًا في العاصمة الخرطوم، ونتج عن ذلك أيضًا عقد عدة ندوات لشرح القضية الجزائرية، وسبل دعمها ماديًا ومعنويًا، وكان من أهمها الندوة التي عقدها أحمد توفيق المدني رئيس الوفد الجزائري، وهذا ما دفع من ناحية أخرى إلى بروز دور الطبقة المثقفة السودانية في نصرة القضية الجزائرية جماهيريًا، حيث قام أساتذة وطلبة جامعة الخرطوم بمظاهرات وتجمعات تأييد ونصرة لقضية الشعب الجزائري حتى التحرير. كما توالت دعوات السلطات السودانية الرسمية لجبهة التحرير الوطني، هادفة توعية الجماهير السودانية بالقضية الجزائرية، وكللت الزيارات المتكررة للسودان بزيادة ربط العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين.

 

تجاوب شعبي وهبة لنصرة الجزائر

كان التجاوب الشعبي السوداني مع ثورة الجزائر كبيرًا جدًا، حيث وصف أحمد توفيق المدني أحد التجمعات الشعبية التي ألقى فيها كلمة مؤثرة بخصوص ثورة الجزائر، حيث قال: “كان للاجتماع الشعبي العظيم الذي سمحت لنا السلطة بإقامته في أم درمان أعظم الأثر في نفسي وفي إخواني. وكان الاجتماع ليلاً ووقع في مكان فسيح جدًا، يسع نحو خمسة أو ستة آلاف من الناس، ورتبوا منصته أحسن ترتيب، ووضعوا على جوانبه مكبرات الصوت بصفة فنية محكمة لا أذكر أنني رأيت مثلها في الشرق، كان المنظر بديعًا حقًا، لقد اختلط سواد البشرة مع سواد الليل، ما كنت أرى من فوق المنصة إلا بحرًا من الألبسة البيضاء الفضفاضة التي تتراءى للناظر وكأنها بناء مرصوص يشد بعضه بعضًا وفوقه بحر آخر بعد انفصال قليل، هو بحر العمائم البيضاء الضخمة التي يستعملها إخوتنا من أجل مقاومة أشعة الشمس وحرارتها.

والسوداني مستمع جليل يقدر قيمة الخطيب، فلا يقاطعه بهتاف أو صراخ أو بأناشيد هوجاء، وتحمست وأسهبت في وصف آلام الجزائر مما تقاسيه من بطش وإرهاق، وما يرتكب فيها من مجازر وفظائع لم تشاهد البشرية مثلها، وأكدت حاجة الجزائر إلى العونين المادي والأدبي، وبينما أنا في عنفوان الحماس أضع في الكلام قنابل محرقة، إذ بزوبعة هوجاء صارخة مدوية تنفجر في القاعة فتجرف معها كامل المستمعين، كأنما مسهم تيار كهربائي في آن واحد، وأخذت أستمع رغم إرادتي لصوت هو صوت أمة، صوت جهاد، هو صوت الضمير الحر انطلق من عقاله فجأة في سماء الشعور والإحساس، نادى الناس كافة بأصوات تشبه هزيم الرعد أثناء زوبعة عاتية عاصفة: الجهاد: الجهاد السلاح إلى الجزائر، وقال بعضهم: لا نترك النساء تذبح ونحن رجال قاعدون، وقال آخرون: لنشترك في حرب الجزائر فإن تحررت تحررنا جميعًا”.

ويكمل أحمد المدني قوله: “.. هكذا أصبحت الخطابة من القاعة والقوم وقوف، وأصبحت أرى منظرًا لم أره طوال حياتي في الكفاح، وأصبحت أرى بين بحر العمائم البيضاء وبين بحر الأردية البيضاء نورًا أحمر بلون الدم إلى أن كاد يفقدهم الشعور، وصعدت الدماء دفعة واحدة إلى الرؤوس، فاحمرت الأحداق حتى باتت وكأنها النار الحامية. إلى أن قال: وأشرت إلى القوم بالسكوت وأعدت الإشارة مرارًا إلى أن خفت وطأة الموجة العارمة ما تمكنت من إسماع صوتي بواسطة المكبرات حتى عدت إلى الحديث عن تلك الفظائع والموبقات بمثل لهجتي الأولى، وعقبت على ذلك بقولي: إن إخوانكم مجاهدي الجزائر الأبية يتمتعون بحمد الله بقوة في البدن، وبكثرة عالية في العدد، ولو استطعنا أن نسلح مليونًا من الرجال، لوقف في الميدان مليون رجل يتقدمون بثغر باسم نحو النصر أو الشهادة. لا يا إخوان، لسنا في حاجة إلى الرجال، نحن في حاجة إلى مال وإلى السلاح، وإلى عمل سياسي خارجي يتوازن مع الكفاح الداخلي ويسانده، هذه هي حاجتنا الأكيدة وهذا هو واجبكم المفروض.

قال: وما كدت أنتهي حتى بادر القوم بتكوين لجنة من أحسن رجالهم الشعبيين من أجل جمع المال، على مقدار ما يستطيع السودان بذله إعانة لإخوانه المجاهدين في سبيل الله. ثم اجتمعنا بعد ذلك بقليل مع رجال اللجنة الشعبية وقررنا أنهم يرسلون لنا بالقاهرة، وبواسطة سفارة السودان، ما يجمعونه من شعب يذوق الجوع والحرمان لكنه يستطيع أن يجوع أكثر، وأن يتبرع بجزء من الضروري من قوته لإخوانه المجاهدين”.

 

اليمن دعم كبير من أجل نصرة الجزائر

ناصرت اليمن كفاح الشعب الجزائري في المحافل الدولية؛ وعلى وجه الخصوص في الأمم المتحدة، حيث ناصرت القضية الجزائرية بجانب أشقائها العرب، في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان ذلك في الفاتح من أكتوبر عام 1955. وكان صوت اليمن داعمًا للموقف العربي الموحد من أجل نصرة القضية الجزائرية العادلة، رغم اعتبار فرنسا هذه العريضة عبارة عن أجل أُعطي لفرنسا بطريقة غير مباشرة للإسراع إلى حل القضية الجزائرية مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية الممثل الشرعي للشعب الجزائري.

وفي 19 سبتمبر 1958 عندما تم الإعلان عن تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كانت اليمن من الدول السباقة إلى الاعتراف بها رسمياً وكان ذلك في 21 سبتمبر 1958. ومن المواقف الإيجابية تجاه الثورة الجزائرية هي مواصلة الدعم المعنوي في أعلى هيئة دولية، ففي دورة عام 1959 أكد ممثل اليمن على أنه يجب على الحكومة الفرنسية أن تقبل فكرة محاورة ممثلي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، خاصة ما يتعلق بالطرق الكفيلة التي يمكن تطبيقها في الفترة الانتقالية، وذلك قبل البدء في عملية الاستفتاء مع ضرورة ضبط الضمانات التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة لممارسة كل الحريات ولنجاح عملية الاستفتاء نفسها.

مساندة دبلوماسية

وفي سياق مساندة اليمن للثورة الجزائرية دبلوماسيًا، فقد كان الوفد اليمني ضمن وفود الاتحاد الدولي للعمال العرب، الذي أكد في مؤتمره المنعقد 1961 على ضرورة مقاطعة الطائرات والبواخر والسلع الفرنسية. وأما مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد في بلغراد عام 1961، فقد شاركت فيه اليمن، وندد فيه مندوبها بالاستعمار العالمي وفضح مناورات الاستعمار البريطاني لتثبيت أقدامه في جنوب اليمن، وأكد على ضرورة المصادقة على قرار بمنع استعمال الأسلحة النووية في إشارة إلى فرنسا، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بهذا الشأن خاصة وأن الظرف كان مناسباً، بحيث كانت فرنسا في الوقت نفسه قد بدأت تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية.

تفاعل شعبي كبير

وكذلك كان التفاعل الشعبي مع ثورة الجزائر كبيرًا، ولم يقتصر على التضامن المعنوي والتجمعات الشعبية للتنديد بالاستعمار الفرنسي أو على جمع التبرعات المالية، بل امتد حتى شمل مختلف مناحي الحياة الثقافية والفنية اليومية للشعب اليمني.

 

ليبيا.. القاعدة الخلفية للثورة الجزائرية

قدمت ليبيا في عهد الملك محمد إدريس السنوسي جهودًا كبيرًة في مساندة ونصرة الشعب الجزائري في ثورته ضد المستعمِر الفرنسي، انطلاقًا من قناعة الملك إدريس بأن الوقوف إلى جانب كفاح الشعب الجزائري هو واجب وطني وديني بآن معًا.

مستودعات تسليح ومراكز تدريب

كانت ليبيا قاعدة خلفية ولوجستية للثورة الجزائرية، حيث كانت بها مستودعات الأسلحة، ومراكز التدريب، وشبكات التسليح، كما وفرت إقامة خاصة لقادة جبهة التحرير وأمّنت تنقلاتهم، وأصبحوا يتصرفون بكل حرية دون مراقبة أو إزعاج. وللإشارة فإن شبكات التسليح بليبيا لم تتلق أية ضغوطات ولم يجمد أي نشاط للثورة بها عكس ما كان يحدث في بعض البلدان الأخرى ـ وبذلك احتلت ليبيا مكانة رائدة في مجال دعم الأسلحة لصالح الجزائر.

تهريب الأسلحة إلى الجزائر برعاية حكومة ليبيا

وتجدر الإشارة إلى أن استعمال الأراضي الليبية لنقل الأسلحة من المشرق كان يتم تحت رقابة الحكومة الليبية، وبتغطية منها. وذلك بأمر من الملك إدريس السنوسي نفسه. إن نجاح عمليات التهريب الأولى دفع بالحكومة الليبية إلى إرسال برقية إلى أعضاء الجبهة بالقاهرة عن طريق سفارة تونس تدعوهم إلى إرسال ممثل عنهم إلى طرابلس، وبذلك تم تعيين السيد محمد خيضر لهذه المهمة.

مطارات ليبيا في خدمة الجزائر وثوارها

بعد اجتماع 27 أفريل 1956، رأت لجنة السلاح الجزائري بالقاهرة أنه من الضروري السعي لدى رئيس الوزراء الليبي بن حليم لكي يضع تحت تصرف اللجنة الفرعية للأسلحة بليبيا مطاراً أو مطارين على الحدود الجزائرية الليبية جنوباً بقصد إيصال الأسلحة بصفة فورية، ومباغتة للفرنسيين. وقد أسفر اللقاء على قرارات ضمنت ونظمت دخول الأسلحة إلى الجزائر.

ويشهد جميع الساسة زمن المملكة الليبية أن الملك كان مسانداً لحركة الثورة وحريصاً على نجاحها، ولم يقصر معها لا مادياً ولا معنوياً.

 

مؤتمرات مصيرية لقادة الثورة الجزائرية في ليبيا

تواصل الدعم الليبي للقضية الجزائرية وثورة أول نوفمبر، حيث شهدت الأراضي الليبية عدة اجتماعات ومؤتمرات مصيرية بالنسبة للشعب الجزائري وثورته المباركة. من أهمها:

وللشعب الليبي ما يقدمه للثورة

نظرًا للأواصر الدينية والقومية والتاريخية بين الشعبين الجزائري والليبي، ابتهج الليبيون لانفجار الثورة التحريرية في مختلف أرجاء التراب الجزائري، وأخذت القطاعات الشعبية تفكر جدياً في إيجاد الطريقة التي يمكن بها دعم ثورة الجزائر ومناصرتها في المجالين المعنوي والمادي، وكانت الفكرة التي لمعت في الأفكار وواجهها الجميع بالرضى والتأييد، هي تأسيس لجنة من الأعيان، الذين اجتمعوا وقرروا تشكيل لجنة لمناصرة الشعب الجزائري، فراسلوا في هذا الشأن الجهات الرسمية في الدولة لطلب الإذن بالشروع في العمل، وارتاح الشعب الليبي إلى هذه اللجنة، وتوالت تبرعاته من مختلف أنحاء المملكة الليبية، بشكل يدعو إلى الفخر والاعتزاز.

تونس.. جبهة واحدة ونضال مشترك

مثلت تونس، طيلة سنوات الثورة، قاعدة خلفية للثورة الجزائرية، إذ احتضنت قيادات الثورة، ووفّرت الإمداد بالمال والسلاح عدا الرجال الذين انخرطوا في العمليات المسلحة داخل التراب الجزائري ضد القوات الفرنسية.

يقدّر دارسو التاريخ العسكري للثورة أن 80 في المائة من السلاح تم تهريبه عبر الأراضي التونسية. وقد أُمضي بداية عام 1957 اتفاق لتسليح الثورة الجزائرية جمع الحكومة التونسية مع جبهة التحرير الوطني إثر لقاء انعقد صيف 1956 في القاهرة، وتضمّن تعهّد الحكومة التونسية بنقل الأسلحة التي تصلها عبر الحدود إلى الجزائر مع تسليمها لمن تعيّنه جبهة التحرير.

 

استقلال ناقص ما لم تستقل الجزائر

اعتبر القيادي التونسي يوسف صالح استقلال بلاده ناقصا ما لم تستقل الجزائر، واضعا رجاله المقاومين السابقين للاحتلال الفرنسي تحت تصرف الثورة الجزائرية.

لجان مشتركة لتمرير الأسلحة

وتم إنشاء لجان مشتركة، تونسية – جزائرية، مكلّفة بتمرير الأسلحة، وقد وضعت تونس ثكنات جيشها تحت تصرف جيش التحرير الجزائري لتخزين الأسلحة والعتاد.

قوافل أسلحة يومية

وذكرت تقارير فرنسية وقتها أنه مع منتصف ماي 1957، كان معدّل مرور قوافل السلاح يوميًا، وكانت الكمية الكبيرة تأتي من ليبيا عبر تونس، خاصة بعد زوال المراقبة الفرنسية على الموانئ التونسية. وخصصت تونس شاحنات للحرس الوطني لشحن الأسلحة العابرة ونقلها إلى مراكز التخزين بتونس قبل تهريبها إلى الجزائر…”.

هذا، وأعفت الحكومة التونسية من الضرائب والرسوم الجمركية كل سلعة أو تجهيز يخص الحكومة الجزائرية المؤقتة أو جيشها، كما جعلت بنوكها مستودعا للتبرعات المالية.

مساندة بالدم والروح

شارك التونسيون أيضًا في العمليات العسكرية للثورة الجزائرية، وتؤكد تقديرات سقوط أكثر من 500 شهيد تونسي بين 1955 و1958 مع سجن أكثر من 1200 تونسي.

من جانب آخر، وفّر التونسيون أيضًا الدعم المالي للثورة، بعد تخصيص قاعدة لجبهة التحرير بقيادة الصديق المزالي مهمتها جباية الأموال لصالح الثورة الجزائرية. كما قامت الشُعب الدستورية، أي المنضوية ضمن الحزب الحر الدستوري التونسي، عام 1956 بجمع المال عن طريق فرض جباية شهرية على التجار. كما قرّر الموظفون التونسيون التبرع بأجرة يوم عمل لفائدة الثوار الجزائريين.

ل. ب

F.L.N. (National Liberation Front) soldiers, 1954-1962, France – Algerian War of Independence. (Photo by: Photo12/Universal Images Group via Getty Images)
F.L.N. (National Liberation Front) soldiers, 1954-1962, France – Algerian War of Independence. (Photo by: Photo12/Universal Images Group via Getty Images)