إن الحياة مليئة بالابتلاءات، والدنيا كلها أشواك ومنغِّصات، هموم وغموم، أسقام وآلام، مصاعبُ ومتاعبُ، قد يصل في نهاية المطاف إلى التشاؤم من الحياة، ولكن العاقل من ينظر إليها بنظرة التفاؤل والاستبشار. إن الإسلام يدعو بَنِيه أن يستبشروا؛ ” وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ” البقرة: 223، وأن يزيحوا اليأسَ من طريقهم؛ ” وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ” يوسف: 87. لقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: “يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا”، كان نبينا يبشر أصحابه حتى في أصعب الظروف، وأشد الأحوال، وأحلك المواقف، بالنصر والقوة، وأصبح التفاؤل شعارَهم في كل وقت وحينٍ، ونورَهم في الظلمات والأزمات، وإن مواقف رسول الله كثيرة في التفاؤل والاستبشار. الاستبشار يهيئ لصاحبه رؤية جانب الخير في الأشياء، يرى نصف الكوب الملآن، ينظر بإيجابية، والاستبشار: مِن استبشر؛ أي: تيمَّن بالخير؛ قال تعالى ” يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ” آل عمران: 171؛ يفرحون بنعمة الله على فضله وإحسانه؛ يقول علماء النفس أيضًا: “إن التفاؤل والاستبشار حائطُ دفاعٍ جيد ضد الإحباط والتعاسة”.
إن الاستبشار هو أن تتعلق بفَرَجِ الله، حتى لو كانت المعطيات كلها ضدك، حتى لو أن العقبات كلها أمامك؛ فالبحر أمام موسى، والعدو خلفه؛ ومع ذلك قال: ” كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ” الشعراء: 62، ومن ثَمَّ كانت النجاة، وبأسهل الأسباب، وبأبسط الأشياء، كيف؟ ” فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ” الشعراء: 63، وكان فضل الله عظيمًا على موسى وأتباعه؛ ” وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ” الشعراء: 65، 66. لقد تكرر ذكر البشرى والتبشير والاستبشار في القرآن الكريم كثيرًا، والبشرى إنما تكون للقلوب الواثقة بربها، المتوجهة إليه، المتوكلة عليه، فتزهر وتبتهج وتفرح؛ قال ربنا: ” قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ” البقرة: 97، وحتى الذين يُستشهدون، وهم في جنِّتهم، وهم في نعيمهم، وهم عند ربهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم، فرحون بما آتاهم الله من فضله: ” وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ” آل عمران: 170. كذلك يستبشرون بالمنة والفضل والنعمة ” يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ” آل عمران: 171. إذًا لا معنى للحياة بدون بشرى، ولا معنى للوجود بدون استبشار، ولا فرحة في الدنيا بدون بُشْرَيات، والأحداث التي تؤثر فينا بشكل أو بآخر، لا بد من اتخاذ التفاؤل كأسلوب حياة، والأمل كمتنفس طريق. فطوبى لمن يستبشر؛ فيرسم ابتسامة، ويمسح دمعة، ويخفف ألمًا، ويقضي دَينًا، ويطرد جوعًا، ولأن الغد ينتظرنا، والماضي قد رحل، فمع بزوغ كل فجر جديد، ننظر للحياة بجانب مشرق.
من موقع الألوكة