تصيب الأمراض الصدرية الملايين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيما يمكن اتخاذ إجراءات عدة للسيطرة على مضاعفاتها والحد من معاناة المرضى شرط التعامل مع هذه الأمراض بالشكل الصحيح
والمناسب، وأهمها الربو والانسداد الرئوي المزمن والتليف الرئوي المجهول السبب.
مرض شائع يجهله الكثير
يعتبر الانسداد الرئوي المزمن من الأمراض الصدرية الشائعة التي تقود المريض إلى حياة بائسة نظراً لتأثيرها في نمط الحياة، وفق المختصين في الأمراض الصدرية الذين يقولون إنه في حالات كثيرة من المرض تصادف حالات يكون قد تم تشخيصه فيها سابقاً عن طريق الخطأ على أنها ربو، مما يؤدي إلى وصف علاج غير مناسب ونتائج دون المستوى المطلوب للمريض.
وتكمن المشكلة الأساسية في الجهل المحيط به، حيث إن كثراً يجهلون كل شيء عنه.
من هنا يجب التوعية على نطاق واسع ليصبح الناس أكثر معرفة به.
أما بداية المرض فتكون بـ “تجربة” سيجارة تنتهي إلى مأساة يصبح فيها المريض بمثابة العاجز عن التنفس وتصير حياته مهددة، إلى أن يصبح التدخل للحد من معاناته في الحالات المتقدمة غير ذي فائدة.
فالتدخين هو السبب الرئيسي للمرض ويصل احتمال الإصابة بين المدخنين إلى 80 أو 90 في المائة، ولأنه السبب الأول، يمكن العمل على الوقاية والمعالجة على هذا الأساس. لكن المشكلة زادت سوءاً في السنوات الأخيرة فصار معدل الإصابة لدى النساء كما هو لدى الرجال، خصوصاً مع انتشار تدخين النرجيلة.
وثمة عوامل أخرى، كالتلوث، قد تلعب دوراً في الإصابة، بجانب استخدام الفحم والخشب للطهي أو التدفئة والتعرض لملوثات نتيجة ظروف العمل. كذلك يلعب العامل الوراثي دوراً في الإصابة بالمرض، إضافة إلى العوامل المحيطة.
وكثيراً ما يحتاج المريض إلى بذل مجهود كبير للقيام بأبسط الأنشطة، وهذا ما يؤثر في نمط حياته بتفاصيلها، فيعجز عن ارتداء ملابسه والخروج من المنزل والقيام بنشاطاته المعتادة، ويضطر إلى التغيّب عن عمله، ويحتاج إلى من يهتم به، ثم تتراجع نوعية حياته بما فيها حياته الاجتماعية. ويعتبر التدخل المبكر أساسياً في مساعدة المريض حيث يكون التحسن مهماً والعلاج فاعلاً.
لكنّ المشكلة في أنه غالباً ما يتم التقليل من أهمية الانسداد الرئوي المزمن عند الإصابة به، خصوصاً أن المريض، المدخن خصوصاً، يجد دائماً تبريرات للأعراض التي تظهر عليه فيبسطها ولا يعطيها أهمية، ويتهرب من الاعتراف بمرضه، وبسبب ذلك يصل إلى مراحل متقدمة تزيد فيها صعوبة المرض عليه ويصبح معوّقاً عن التنفس.
ووفق الإحصاءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن نسبة 49 ، 5 في المائة من مرضى الانسداد الرئوي المزمن تبقى دون علاج، ونسبة 47، 5 في المائة تتعرض لنوبات رئوية تحصل مع تفاقم الحالة وازدياد الأعراض سوءاً. ومن المتوقع أن يصبح المرض السبب الثالث للوفيات في العالم عام 2030 فيما يعتبر الآن السبب الرابع، مع ما يترتب عن ذلك من أعباء اقتصادية واجتماعية، خصوصاً نتيجة التأخر في التشخيص.
وتظهر الإحصاءات أن 28 في المائة من المرضى يضطرون إلى التغيّب عن العمل، فيما يعجز 48 في المائة منهم عن العمل تماماً، من هنا أهمية إجراء التشخيص السريري لدى المرضى الذين تجاوزوا سن الـ40 سنة في حال ظهور الأعراض، علماً أن ضيق التنفس يعتبر من السمات الأساسية للمرض ويظهر في المراحل الأولى عند قيام المريض بجهد إضافي، كصعود السلالم، ويزيد سوءاً مع الوقت.
تتفاقم الأعراض حين نتجاهلها
الربو… تتفاقم الأعراض عند تجاهلها وقد تصل إلى الوفاة. من الواضح أنه غالباً ما يتم الاستهانة بحالات الربو ويجري التقليل من أهميتها. ومع سوء التشخيص وتأخره وإهمال الأعراض التي تظهر لدى المريض، تتفاقم الحالة وتتطلب دخول المستشفى والانقطاع عن العمل وصولاً إلى الوفاة.
وتعدّ التغيرات المناخية والبيئية، بالإضافة إلى ضعف السيطرة على المرض، من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى زيادة انتشار الربو في المنطقة حيث يصل معدل الإصابة إلى 24 في المائة في المملكة العربية السعودية و7 أو 8 في المائة من البالغين في مصر و3.45 في المائة في الجزائر، وتصل نسبة انتشار الأعراض في الإمارات العربية المتحدة إلى 12 ،1 في المائة.
لهذه الأسباب، يشدد المختصون على تحسين طرق التعامل مع الحاجات الملحّة لمريض الربو حتى لا تستمر الأعراض وتتفاقم، فيما تبرز الحاجة إلى علاج جديد لمساعدة المرضى على الوصول إلى نتائج فضلى، لأن نسبة 40 في المائة من المرضى الذين يتلقون العلاجات حالياً لا يزالون يعانون الأعراض.
وتظهر الأرقام أن السيطرة على أعراض الربو ليست مثلى مع زيادة معدلات المرضى في أقسام الطوارئ، حيث تصل النسبة إلى 28 في المائة في الإمارات، و58 في المائة في عمان، و21 في المائة في لبنان، و89 في المائة في الكويت، و63 في المائة في الأردن، وذلك نتيجة عوامل عديدة كالأخطاء في التشخيص، والعلاجات غير المناسبة، والتدخين، والتهاب الأنف، وأهمها: عدم الالتزام بالعلاج. ويشار إلى أن عوامل الخطر الأساسية للربو والانسداد الرئوي المزمن والتليف الرئوي المجهول السبب في المنطقة، هي التدخين، والتلوّث، وتنشّق الغازات السامة، والمواد الكيماوية والعواصف الرملية.
التليف الرئوي المجهول السبب أكثر خطورة من السرطان
يمكن أن يصيب التليّف الرئوي المجهول السبب، الذي يعتبر من الأمراض النادرة، أي عضو في جسم الإنسان، ويشكل نسبة 30 في المائة من أمراض الرئة. وكثر من المرضى الذين يتم تشخيص المرض لديهم لا يعلمون بإصابتهم.
ووفق طبيب الأمراض الصدرية ورئيس وحدة تليّف الرئة في جامعة ساوث هامبتون في المملكة المتحدة د.لوقا ريكيدلي، قد يعتبر تشخيص التليف الرئوي المجهول السبب مرضاً صعباً لأنه يتطلب خبرات في التشخيص كتصوير الرئة باستخدام أشعة مقطعية عالية الدقة. وأهم عوامل الخطر هي التدخين والإصابات الرئوية وتاريخ الإصابة بالمرض في العائلة والارتجاع غير الطبيعي لحمض المعدة والتعرض للعوامل البيئية والإصابات الفيروسية المزمنة.
وقد تتشابه أعراضه مع أعراض الانسداد الرئوي المزمن، لكن ما قد يسهّل تشخيصه سماع الطبيب صوتاً معيناً هو صوت حشرجة أثناء الفحص عند تنفس المريض.
فقد ظهرت في بريطانيا 5000 حالة جديدة في العام، والجديد أنه للمرة الأولى يتوافر علاجان ناجحان في تحسين الحالات ووقف تطور المرض، والخيارات العلاجية المتوافرة هي العقاقير، والعلاج التكميلي بالأكسيجين، وعلاج السعال، وإعادة التأهيل الرئوي… كلها تساعد على الحفاظ على نوعية حياة أفضل للمريض وإدارة المرض ومواكبته، وهنا تبرز أهمية التشخيص المبكر قبل الوصول إلى الأعراض المتقدمة، مما يسمح بوقف المرض في مرحلة مبكرة.
وفيما قد تتشابه أعراض أمراض التنفس الثلاثة هذه، يبقى سهلاً على الأطباء المتخصصين التمييز بينها. لكن الأهم هو وعي المريض ومعرفته لحالته ولجسمه، وملاحظة الأعراض لإيجاد الحلول والذهاب إلى الطبيب في الوقت المناسب.