يسبب 70 % من النزاعات العائلية, “الميراث” في الجزائر.. حقوق منتهكة وخلافات قائمة

يسبب 70 % من النزاعات العائلية, “الميراث” في الجزائر.. حقوق منتهكة وخلافات قائمة

-وثيقة تمنع المرأة الجزائرية من الميراث منذ سنة 1749 !

في أكثر المناطق التي تتواجد فيها المساجد والزوايا في الجزائر، تُحرم المرأة من حقها الشرعي في الميراث، باسم التقاليد والدين، هي معادلة متناقضة، لكنها موجودة في عدد كبير من المناطق التي جعلت ميراث المرأة في خانة المحرّمات والممنوعات غير القابلة للنقاش، مما تسبب في جرائم بشعة وقطع للأرحام، الشاهد الأكبر عليها محاكم الجنايات التي تسجل يوميا قضايا خطيرة تتعلق بالنزاعات العائلية بسبب الميراث، والتي تصل إلى حد القتل والتزوير وشجارات جماعية تستعمل فيها أخطر أنواع الأسلحة البيضاء، ويؤكد مختص في علم الاجتماع أن نحو 70 بالمائة من النزاعات العائلية بالجزائر مرتبطة بالخلافات حول الميراث.

 

تتباين الروايات حول حقّ الميراث بالنسبة للمرأة في عديد المناطق الجزائرية، غير أن الثابت أن قرار حرمانها في منطقة القبائل، أقرّته وثيقة ترجع إلى ثلاثة قرون تقريبًا، ارتبطت بواقعة تاريخية، ومنذ ذلك الوقت، نزل عقاب جماعي على نسوة القبائل، ما زال متوارثًا حتى اليوم في بعض مناطق البلد.

 

قصّة إقصاء المرأة من الميراث ووثيقة سنة 1749

تعود قصّة إقصاء المرأة من الميراث في بعض المناطق الجزائرية، إلى وثيقة تمّ توقيعها في سنة 1749، بأعالي جبال جرجرة، إذ سميت بوثيقة كوكو، نسبة لمملكة كوكو الأمازيغية، وهي الوثيقة التي أشارت إليها بعض الدراسات التاريخية في الجزائر، إذ يُمنع بموجبها تحويل الأراضي إلى ملاك آخرين أو أشخاص أجانب على اعتبار أن الأراضي الفلاحية هي رأس المال أهل المنطقة.

وذكر أستاذ التاريخ محمد أرزقي فرّاد، في إحدى دراساته “واقع حرمان المرأة الجزائرية من الميراث”، أن المسألة مرتبطة بمختلف المناطق التي تكثر فيها الزوايا، وذلك بـ “حكم الأعراف والتقاليد المتوارثة أبًا عن جدّ منذ قرون متواترة”، لافتًا بأنّ عديد المناطق الجزائرية، لجأت إلى عدم تزويج بناتها رجالًا من خارج العائلة، وهو ما يسيطر عليه منطق العروش (النظام القبلي) في عدّة مناطق جزائرية، من قناعات مردّها تلك الوثيقة التي ظهرت في سنة 1749، بحسب الباحث.

أما حرمان المرأة من الميراث، يرجع إلى حادثة أشار إليها المؤرّخ فرّاد، نتج عنها إصدار فتوى دينية استمرّ توارثها لمدّة قرون. القصّة أبطالها بحّارة من الجيش العثماني، تمّ حجزهم في الأندلس لمدّة تجاوزت عشرين سنة، فتزوجت نساؤهم الجزائريات في فترة غيابهم، وتحوّلت أملاكهم إلى رجال آخرين، وعندما تمّ فكّ أسرهم ورجعوا إلى الجزائر، وقعت حرب أهلية بسبب تلك الأملاك، فلجأ أهل المنطقة إلى تحرير هذه الفتوى، حتى لا يذهب نصيب المرأة إلى زوجها الغريب، وحفاظًا على وحدة الأسرة والأرض، وعدم انتقالها للأجانب.

وحرّرت وثيقة كوكو من طرف نبلاء وأعيان قرى المنطقة، في اجتماع بقرية لجمعة نسهاريج بولاية تيزي وزو، وأسفر الاجتماع عن جملة من القرارات من بينها حرمان المرأة من الميراث، وهو ما بقي متوارثًا لدى بعض العائلات حتى اليوم.

 

أصوات نسائية تحتج على ما تعتبره إجحافا

تعتبر المحامية نادية آيت زاي، رئيسة جمعية مركز التوثيق لحقوق الطفل والمرأة، من بين الأصوات المنادية بضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في نصيبهما بالميراث، رغبة منها في تكريس العدالة بينهما. ولما كان الميراث مسألة حساسة للغاية بنظرها لأنه يعبر عن مدى تكريم المرأة بمنحها الحق في مال أقاربها على غرار نظيرها الرجل. كما أكدت ذات المتحدثة، خلال محاضرة ألقتها حملت عنوان “من أجل المساواة في الميراث بين المرأة والرجل بالجزائر”، إلى جانب عدد من المشاركين، أن القانون العائلي المستلهم من الشريعة الإسلامية جائر، لمنحه للمرأة نصف ما يرثه الرجل فقط، مضيفة أن المجتمع يتطور، ما يحتم عليه إحلال المساواة وتحسين وضعية المرأة الجزائرية باستمرار على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، مؤكدة أن عدم تساويها مع الرجل في الميراث يؤدي إلى تفاقم الإشكالية، فالعائلة الجزائرية – حسب قولها – سواء الآباء أوالأبناء، تظلم النساء، لاسيما بعد وفاة الأهل حيث تجد نفسها محرومة من السقف العائلي..

 

.. وهناك من يعتقد أن التركة من حق الذكور فقط

ما تزال العديد من العائلات الجزائرية في بعض مناطق الوطن تحرم المرأة من الميراث بشكل نهائي، وتعتبر التركة حقا من حقوق الذكور فقط، متحججين في ذلك بأن المرأة إذا تحصلت على نصيبها من الإرث، فإنها ستمنحه لزوجها الغريب عن العائلة، لذلك يُفضلون حرمانها تماما من الميراث حتى لا يأخذ زوجها شيئا منه.

وأجمع عدد من المحامين على أن درجة وعي المرأة عالية، هذه الأخيرة التي أدركت أن القانون يمنحها حقها شأنها شأن الرجل وفقا لما تنص عليه شريعتنا الإسلامية والقانون، غير أن هذا لم يمنع استمرار البعض ممن لايزال يتعسف في حرمان المرأة من حقها في الميراث لما كانت تفكر وتتردد ألف مرة قبل أن تقف أمام العدالة في مواجهة من حرمها من الميراث، الأمر الذي أكدته كثير من القصص التي تروي حرمان المرأة من تركة أهلها من قبل أقرب الناس إليها.

 

شقاق وعداء

تحكي سمية 35 سنة قصتها لنا قائلة: “توفي أبي قبل سنة، وفي ذات اليوم الذي دفن فيه قدم لي أخي الوحيد أوراقا، ظننت أنها خاصة بمراسيم الدفن طالبا مني الإمضاء على بعضها، لأفاجأ أنه قام ببيع المنزل، ولدى مطالبتي بحقي من بيت أهلي فوجئت أنني قد أمضيت أيضا على تنازلي عن التركة دون إدراك”، مضيفة أن أكثر العبارات التي قوبلت بها كانت “القانون لا يحمي المغفلين”.

أما ليلى، 30 سنة التي طالبت بحقها هي وأخواتها بعد وفاة والديها في حادث مرور، لاقت رفضا عنيفا من إخوتها الذكور الذين اكتفوا بمنح بعض الفتات لأخواتها كونهن عازبات، أما هي فقد تم حرمانها بحجة أن زوجها كفيل بإعالتها، لتجد نفسها مجبرة على طرق باب المحاكم لأخذ حقها.

ومن جهتها، تقول منية، 28 سنة، إنها أجبرت على معاداة أهلها الذين حكموا عليها بذلك بعد أن حرموها من حقها في ميراث جدها، بعد أن تحالف أباها مع إخوتها الذكور ليتقاسموا تلك التركة فيما بينهم، مضيفة في ذات السياق:”فكرت كثيرا في رفع دعوى قضائية أطالب فيها بحقي ولكن تنازل باقي أخواتي وضعني في موقف حرج، خاصة أنهن حذرنني أنهن سيقطعن صلتهن بي في حال لطخت اسم العائلة في المحاكم، ما جعلني أتنازل عن حقي في الميراث حتى لا أخسر أخواتي، ولكنني لن أسامح والدي وإخوتي أبدا”.

 

80 بالمائة من الإناث يتنازلن عن الميراث

وبيّنت السيدة شائعة جعفري أن دراستها تضمنت أيضا الكثير من الحالات التي بينت أن 80 بالمائة من النساء يتنازلن عن الميراث حفاظا على صلة الرحم، ورضوخاً لتهديدات الإخوة، وهذا ما يترتب عنه فيما بعد نزاعات عائلية حادة بسبب الخلافات حول التركة، والتي عادة ما تكون نهايتها المحاكم، كما أن المرأة في الكثير من المناطق تجهل حقها الشرعي في الميراث، مما يجعلها ضحية استغلال سهل من طرف الإخوة، ومع مرور الوقت -تضيف المتحدثة- يكبر الأطفال ويكتشفون حرمان أمهم من الميراث، مما يتسبب في جملة من المشاكل التي تنتهي بقطع صلة الأرحام.

وأضافت جعفري أن الجزائر تعد أفضل حالا من الكثير من البلدان العربية في قضية ميراث المرأة على غرار تونس ومصر والأردن، حيث تشهد المرأة حرمانا منقطع النظير من حقها في الميراث باستعمال القوة، بالمقابل تُعطى المرأة أكثر من حقها في البلدان العربية التي تعتمد على المذهب الشيعي، إذ يتساوى الرجل والمرأة في الميراث وهذا ما يعتبر مخالفا للإسلام.

 

القانون ينصفها لو لجأت إليه

رغم أن القانون الجزائري يعطي المرأة كامل حقّها من الميراث مثلما جاء في الشريعة الإسلامية، غير أن الواقع يكرس ظلما وتهميشا واضحين لها، وفي هذا الإطار يقول المحامي سمير حيزير، إن المرأة تتعرض لتجاوزات كهذه من طرف أقاربها لتيقنهم أنها لا تتجرأ على رفع دعوى قضائية ضدهم حرصا منها على سمعة عائلتها، وفي بعض الأحيان جهلا منها بحقوقها، مضيفا أنّ القانون في مثل هذه الحالات لا يستطيع التدخّل لإنصافها إلاّ إذا قامت هي برفع دعوى قضائية.

كما أضاف الأستاذ في ذات السياق، أنه بالرغم من وجود العديد من الحالات التي تنازلت فيها النساء عن المطالبة بحقهن في الميراث، فإن غيرهن قد رفعن التحدي

وقررن الوقوف وجها لوجه في مواجهة ظلم الأهل، منوها أن القانون في أغلب الحالات ينصفهن، لأنه وببساطة يحمل العديد من النصوص القانونية المستلهمة من الشريعة الإسلامية، والتي دون أدنى شك هي عادلة في هذا الشأن.

لمياء بن دعاس