من ملامح الوحدة الوطنية

“يناير”… تقاليد احتفائية متنوعة عبر ربوع الوطن

“يناير”… تقاليد احتفائية متنوعة عبر ربوع الوطن

تحتفي الجزائر كل سنة برأس السنة الأمازيغية الجديدة، المعروفة بـ “يناير”، الذي يعود تاريخ الاحتفال به إلى عقود مضت، لارتباطه بالأساطير الشعبية في شمال إفريقيا.

ورغم تنوع تقاليد الاحتفال به من ولاية إلى أخرى، إلا أن المؤكد أن الجميع سيحتفل .

يعتبر يناير أحد الاحتفالات الشعبية القديمة التي حافظت عليها العائلات عبر الزمن، بالرغم من التخلي عن بعض طقوس الاحتفاء به لأسباب متعلقة بالعصرنة والحداثة.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، لم تعد النساء تقمن حاليا بإعادة طلاء جدران المنزل أو تغيير موقد البيت بحلول يناير، كما كانت تفعل الجدات، لأنهن ببساطة لم يعدن يسكن في بيوت مبنية بالأحجار المجففة ذات الجدران المغطاة بالطين والمطلية بالكلس، والتي يتوسطها موقد من الحطب مهيأ داخل حفرة مجهزة على الأرض داخل الدار.

كما تضاءل عدد العائلات التي ما زالت تنتظر موعد يناير لقص شعر الطفل الذي ولد خلال العام المنتهي، كما جرت العادة سابقا، حسب ما تأسف له بعض المواطنين الذين لازلوا محافظين على تقاليد الاحتفال بهذا اليوم.

بالرغم من ذلك، ساهمت احتفالات مختلف الهيئات العمومية والحركة الجمعوية ولجان القرى، بهذه المناسبة العائلية قبل كل شيء، في إعادة إحياء بعض الطقوس المهملة الخاصة بهذا اليوم من خلال عرض محاضرات وغيرها من النشاطات، موازاة مع تكريس واستمرارية روح المشاركة والوفرة التي تميز يناير، حسب مشاركين في النشاطات الاحتفالية به.

ونظرا لتنوع تقاليد الاحتفال بهذه المناسبة عبر ربوع الوطن، ارتأينا في ملفنا هذا أن نطلع على تقاليد الاحتفال به في عدد من الولايات على سبيل المثال لا الحصر، لتكون هذه الولاية نموذجا لتلك المنطقة من الوطن الكبير.

 

معسكر.. عادات وتقاليد راسخة

لايزال سكان ولاية معسكر على غرار كل مناطق الوطن يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم أبا عن جد، بمناسبة الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة “يناير”.

ويتميز الاحتفال بهذه المناسبة التراثية بمختلف مدن الولاية بانتشار واسع لتجارة القمح والبقوليات التي تعتبر المواد الرئيسية المستخدمة في إعداد طبق “الشرشم” الذي تعده ربات البيوت صبيحة 12 يناير.

كما لوحظ خلال هذه الأيام انتشار لتجارة المكسرات والحلويات والفواكه المجففة عبر محلات بيع المواد الغذائية، فضلا على انتشار الباعة المتجولين لعرض مثل هذه المنتوجات التي يزداد عليها الطلب أيام قليلة قبل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية.

والاحتفال بليلة يناير بمدينة معسكر له خصوصية لدى العائلات من خلال تقديم الطبق الرئيسي المتمثل في “الرقاق” الذي تشتهر به المنطقة، حيث يتم إعداده من قبل أكبر النساء سنا كما جرت العادة خلال هذه المناسبة التراثية.

وفي هذا الشأن تقول السيدة خيرة (75 سنة) إن “العائلات المعسكرية تقوم ليلة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بتحضير طبق كبير مصنوع من مادة الدوم وتقوم بملئه بالمكسرات والحلويات وفواكه مجففة، ليتم وضعه وسط مائدة الطعام ليتسنى للأطفال رؤيته لتأتي مرحلة ملء أكياس صغيرة من هذا الطبق الكبير، ليأخذ كل طفل حصته من “المخلط”، كما تتداول تسميته العائلات بالمنطقة.

وأضافت في هذا الشأن بأن “توزيع حصة من هذه المكسرات لن يتم إلا من طرف شخص كبير في السن بالعائلة أو الأم التي تحرص على إعطاء كل طفل نصيب من المكسرات والحلويات داخل كيس”.

وأبرزت ذات المتحدثة بأن “سكان معسكر لايزالون يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم في الاحتفال بيناير، وذلك من خلال التركيز على الطابع العائلي للاحتفال عبر كل بيوت المدينة”.

 

تيزي وزو ..احتفالية لاستقبال رأس السنة الأمازيغية بالخير والرفاهية

تستقبل العائلات بولاية تيزي وزو السنة الأمازيغية الجديدة التي تحل كل سنة يوم 12 يناير، بالخير والرفاهية، وبترديد جملتي “اذفاكن ايفركانن، اذكشمن ايملالن” التي تعني “ارحلي أيتها الأيام السوداء واقبلي أيتها الأيام البيضاء”.

وتبدأ التحضيرات لاستقبال العام الجديد الأمازيغي المبني على التقويم الفلاحي، أي دورة الموسم الفلاحي المستخدمة في الماضي، وحتى في أيامنا هذه فيما يخص بعض الممارسات الفلاحية.

ومن الضروري أن تطبع الاحتفال أجواء البهجة والرفاهية للتيمن بسنة من الرخاء والرفاه.

ويتمثل “ايمنسي نيناير” (عشاء يناير)، في طبق من الكسكسي مع الدجاج، الذي من المستحسن أن يكون ديكا بلديا مرفوقا بالبقول الجافة، يتم تحضيره عشية يوم 11 يناير، حيث يجتمع كل أفراد العائلة للمشاركة في هذا العشاء، وتوضع ملعقة إضافية في حال غياب أحد الأفراد، ترميزا لعدم نسيانه.

كما كانت العائلات في الماضي تحضر ملعقة إضافية لـ “ايمينغ”(مسافر) محتمل قد تتم دعوته للعشاء، وفق ما ذكرته وردية وعلجية وجوهر من سيدي علي بوناب.

أما الميزة الأخرى للاحتفالات بقدوم العام الجديد، فهي حضور اللون الأبيض والأنوار، كما هو الحال بالنسبة للديك الذي يرمز إلى النور، لأن صياحه يرحب يوميا بقدوم الفجر، وفق توضيحات السيدات الثلاثة.

نفس العادة أكدتها المكلفة بالاتصال العلمي والتقني بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، خيرة بلباشا، والباحث في التاريخ بالمركز الوطني للبحث في اللغة والثقافة الأمازيغية، فريد بوخلاف.

 

غرداية.. احتفالات بهيجة وفق تقاليد وطقوس متوارثة

يشكل الاحتفال بيناير، رأس السنة الأمازيغية الجديدة بغرداية، منذ قرون من خلال ممارسة طقوس وفق تقاليد عريقة احتفظت بها العائلات في المنطقة مع مرور الزمن بكل اعتزاز، والتي ظلت مناسبة اجتماعية راسخة في عادات سكان منطقة مزاب، تقاوم التحولات التي يشهدها العصر.

وعادة ما يحتفل سكان منطقة مزاب برأس السنة الأمازيغية الجديدة ليلة 6 إلى 7 يناير، من كل سنة على أسس مرجعية ذي بعد مرتبط بالأرض والأنشطة الزراعية، إذ كانت المورد الأساسي لحياة الفلاحين في المنطقة. يعتمد على دورات مختلفة للنباتات، إذ يعلن عن انطلاق الموسم الشتوي للسنة الفلاحية بهذه المنطقة التي تتميز بمناخها الجاف.

وبالنسبة لسكان هذه الواحات والقصور العتيقة، فإن الاحتفال بيناير الذي يتزامن مع نهاية حصاد وجمع الغلال الفلاحية، ويشكل خطوة هامة لمراجعة الوضع البيئي للواحات والبساتين وأشجار النخيل المثمرة، والإعلان عن بدء عملية الرعاية والعناية بمختلف المزروعات، والأراضي الزراعية.

والغرض من هذه العملية هو التخلص من النخيل الجافة وغيرها من الأشجار المتلفة، ومكافحة نمو الأعشاب الضارة وكذا السيقان الطفيلية وبقاياها، وتقليب التربة للسماح لها بالتهوية وتعرضها للشمس لقتل الطفيليات فيها.

كما تشمل هذه العملية كذلك ترميم السواقي التقليدية وغيرها من شبكات تقسيم مياه سقي واحات النخيل، إذ يتم توزيع المهام داخل الأسرة في ظل عدم وجود قوة عاملة وندرتها لصيانة ومراقبة النشاط الزراعي في بساتين النخيل وترميم ما يجب ترميمه، مع تقليب الأرض وكذلك عملية توزيع مياه ري بساتين النخيل، حسب ما توارثته العائلات بالمنطقة.

وللاحتفال باستقبال السنة الأمازيغية الجديدة تتهافت العائلات بغرداية على إعداد الطبق التقليدي “ارفيس”، وهو الطبق الذي لا يستغنى عنه في إحياء مناسبة إنار.

يعد طبق ”ارفيس” من عادات الطبخ المتوارثة في أوساط المجتمع بميزاب، والذي يعتبر مشهدا رئيسيا في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة، ويتم تحضيره بشكل أساسي من السميد والسكر يدهن بالسمن، ويتم تزيينه بالزبيب، ويكون الطبق مرصعا بحبات البيض المسلوق، ويقدم بعد تجهيزه مع الحليب.

ويجمع هذا الطبق العائلة الكبيرة في جو عائلي دافئ تتخلله كؤوس الشاي الذي لا غنى عنه في هذه المناسبات والاجتماعات. وتعقب هذه الاحتفالية تلاوة فاتحة الكتاب والتضرع إلى المولى عز وجل ورفع أكف الدعاء في أن يجعل السنة الجديدة غنية بالمنتجات الفلاحية والموارد المائية.

وتختم أمسية يناير في وادي ميزاب في أجواء عائلية حميمية، تجتمع النسوة لممارسة ألعاب تقليدية تسمى “ألاون”، وهي لعبة نسوية تشبه ”البوقالة” الجزائرية، بينما يتوجه الرجال والأطفال للاحتفال في أجواء بهيجة تصنعها مشاهد فرق البارود والفولكلور الشعبي بغرداية وسط طلقات البارود.

كما يحتفل الأطفال في كل سنة بيناير على طريقة الأجداد وبنفس الحماس والاعتزاز، وأيضا بنفس مشاعر التأمل والأمل بسنة جديدة مليئة بالسلم والرفاهية، إذ تبرمج العديد من التظاهرات الاحتفالية بالمناسبة، بمبادرات لمختلف الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني، وكذا المؤسسات التربوية بولاية غرداية بغرض غرس في أوساط الأطفال والمتمدرسين تاريخ وثقافة الجزائر بشتى تنوعاتها الثقافية والتراث والقيم والتقاليد الأمازيغية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الثقافة الوطنية بمختلف تنوعاتها.

 

يناير بقرى ومداشر باتنة.. مناسبة لإحياء إرث الأجداد

تعد الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية “يناير” بقرى ومداشر ولاية باتنة مناسبة للفرح، وعيدا سنويا تتجدد فيه الصلة بإرث الأجداد من عادات وتقاليد وموروث ثقافي أصيل يعود لآلاف السنين.

فينار أوأناير كما يطلق عليه ببعض المناطق حسب الباحث في التراث الأمازيغي المحلي الأستاذ محمد مرداسي: “ما زال يحتفظ بأصالته ولم تفرغه العصرنة من محتواه التراثي والثقافي، حيث تحرص الكثير من العائلات لاسيما تلك التي تقطن بالمناطق الجبلية على طقوسه التي ظلت تمارس موسما بعد آخر”.

فإعداد طبق إيرشمن أوالشرشم (قمح ينقع في الماء ثم يغلى ويصفى لتضاف له كمية من الغرس أو التمر الطري) أو المخلطة (نفس الطبق تضاف إليه كمية من الفلفل الحار) إلى استبدال حجارة الموقد التقليدي الثلاثة وكذا استرجاع كل الأشياء التي تمت إعارتها لتكون في مكانها قبل حلول السنة الجديدة، كلها تفاصيل، تقول الحاجة “حدودة خليف” من أعالي قرية نارة بمنعة “لها أهميتها في إحياء رأس السنة الأمازيغية توارثتها النساء أما عن جدة، حيث تحرص ربات البيوت على استقبالها بأجمل الألبسة والمصوغات الفضية وهن في كامل زينتهن التي لا تكتمل عادة إلا بوضع الحناء والسواك والكحل”.

ومن العادات التي ظلت لصيقة بيناير بالجهة، تفيد من جهتها السيدة زرفة أوبالة من قرية ثاحبنت بإيشمول هي “خروج النسوة في فسحة إلى الحقول لجلب الحشائش والأغصان الخضراء لوضعها على مداخل البيوت التي أعيد طلاؤها وترتيب محتوياتها ونثر القمح المطبوخ في البساتين تيمنا بالعام الجديد وأملا في أن تكون الطبيعة أكثر سخاء وعطاء لأن يناير عندنا مقترن بالفلاحة والأرض”.

ويبرز دور المرأة جليا في الاحتفالات بيناير بكل منطقة الأوراس بما فيها باتنة بل وما كان لطقوسه أن تبقى صامدة عبر الأجيال لولا إصرار ربات البيوت على نقلها بأمانة وجعل المناسبة عيدا ينتظره أفراد الأسرة بشغف لخصوصيته وتفانيهن في التحضير له.

وتحرص النساء بالمنطقة، حسب السيدة خديجة بريم من ضواحي آريس على أن تكون “الاحتفالات بينار حسب المتعارف عليه”، حيث تدوم ثلاثة أيام على أن يتميز كل يوم بطقوسه المعهودة والتي تشرف على تنفيذها ربة البيت ويبقى دور الرجل فيها ثانويا إلى حد كبير.

ويتميز اليوم الأول المصادف للثاني عشر يناير ويسمى (ينار أقذيم) أويناير القديم، وفق المتحدثة بـ “تجديد كل أواني المطبخ خاصة الطينية وإنهاء مختلف أشغال النسيج من حياكة المفروشات والزرابي والألبسة التقليدية كالبرنوس والقشابية فيما تتفرغن في اليوم الثالث عشر من يناير وهو ما يعرف بـ “ينار أجديذ أوأثرار” لإعداد الطبق التقليدي ليناير (أمنسي نيناير) ويعتمد عادة على اللحم سواء كان طازجا أو مجففا ومحفوظا بالملح ويسمى محليا أقديد أو القديد.

وتستوجب العادة، وفق المتحدثة أن تصاحب عشاء ينار 7 فواكه وخضر تحضر خصيصا للمناسبة عادة ما تتمثل في العنب والتين والبرقوق والمشمش المجففين والجوز والرمان والتمر وغيرها من المنتوجات الموسمية.

أما اليوم الرابع عشر من يناير فيتميز عند النساء باستحضار عادة (أسليث نينار) أو ما يسمى بعروس ينار والتي تدور، حسب الجدة فافة أوباتة من إينوغيسن حول “تزيين فتاة صغيرة بأجمل الحلي الفضية والألبسة التقليدية ثم مرافقتها ضمن مجموعة من نساء القرية أو الدشرة لزيارة الأقارب والجيران كإشارة إلى الفرحة والابتهاج بالمناسبة السعيدة”.

أما الرجال فيقومون في هذا اليوم، حسب المتحدثة بالتنافس والتمتع بممارسة بعض الألعاب الشعبية المعروفة خاصة منها “ثاكورث” أو الكرة.

وتتخلل الاحتفالات بالمناسبة خلال الأيام الثلاثة حسب كل منطقة طقوس تتعلق في مجملها بالمرأة والأرض كرمز للخصوبة والعطاء وأمل الجميع أن تحمل السنة الجديدة محاصيل وفيرة وسعة في الرزق.

ويبقى لإحياء يناير بالجهة سحره الخاص الذي يتجلى خاصة في الموروث الثقافي المادي واللامادي الذي يصاحب الطقوس الكثيرة والمختلفة المميزة للحدث وإن كان بعضها يدخل ضمن الأساطير كالمعتقد الشعبي الذي يذهب إلى أن “الاحتفال بيناير يبعد الحسد وأذى الدهر”.

 

البيض.. الكسكسي أو”أتشو أزوار” طبق أصيل مرتبط بالمناسبة

يعد طبق الكسكسي أو ما يسمى محليا بـ “أتشو أزوار” أحد أهم الأطباق التقليدية للاحتفال برأس السنة الأمازيغية “يناير” لدى سكان مدينة بوسمغون جنوب ولاية البيض.

ويحتفل سكان هذه المنطقة الضاربة جذورها في التاريخ برأس السنة الأمازيغية وكلهم فخر بانتمائهم الأمازيغي ولا يكاد يخلو بيت من بيوت بوسمغون خلال هذه المناسبة من طبق الكسكسي التقليدي المسمى بـ “أتشو ازوار”، حيث لا يزال أمازيغ بوسمغون يحافظون على إعداده منذ قرون وبالطريقة التي ورثوها عن الأجداد .

ويدخل في تحضير هذا الطبق كل من الدقيق الذي يتم تحضيره من طرف النسوة مع إضافة مختلف أنواع الخضروات والحبوب على غرار الفول والحمص والعدس والبازلاء والبطاطا والجزر والطماطم، فضلا عن “الكليلة” وهي نوع من اللبن المجفف وغيرها. كما يحرص سكان بوسمغون أن تكون مكونات هذا الطبق من إنتاج محلي من خلال ما تجود به واحة وبساتين بوسمغون من خيرات .

من جانبها، أبرزت معزوزي زوبيدة من سكان بوسمغون بأنه بعد إعداد هذا الطبق وتحضير المرق يتم إضافة حبة تمر إلى هذا المرق ومن تكون من نصيبه “نواة” التمر، فيتم التفاؤل له بالنجاح في حياته وهي طريقة لتحفيز أبنائهم على الاجتهاد في حياتهم، كما يتم إضافة حبة من فاكهة الرمان بعد الانتهاء من تحضير الطبق والشروع في تقديمه للعائلة.

كما يقدم سكان بوسمغون هذا الطبق في أواني جديدة كما هو الشأن بالنسبة للقصعة أو ما تسمى “بالجفنة” المصنوعة بالخشب المحلي والتي يجتمع حولها جميع أفراد العائلة وهي عادة لا تزال باقية وراسخة لحد الآن، يضيف نفس المصدر.

ويتم أيضا خلال هذه المناسبة تقديم طبق “ملح ديمزريط” أو ما يسمى لدى البعض بـ “الشرشم” والذي يتكون أساسا من القمح والفول وحبات من البطاطا، حيث يقدم جنبا إلى جنب مع طبق الكسكسي أو “أتشو أزوار”.

 

البليدة.. مناسبة تعكس تشبث سكان الأطلس البليدي بهويتهم الأمازيغية

الصورة: استعدادات الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة في الجزائر

يحتفل سكان ولاية البليدة وخاصة القاطنين منهم بالقرى الواقعة على مستوى سلسلة الأطلس البليدي، وعلى غرار باقي ولايات الوطن، بحلول السنة الأمازيغية الجديدة المصادفة لـ 12 يناير من كل سنة بإحياء عادات وتقاليد ورثوها عن الأسلاف تعود لقرابة 3 آلاف سنة تعكس تمسكهم بهويتهم الأمازيغية.

وعلى عكس سكان مدينة البليدة القاطنين بالمناطق الحضرية الذين تخلوا عن العديد من العادات والتقاليد التي تميز الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة، بحيث يقتصر الاحتفال على ليلة 12 يناير فقط، لا تزال العائلات المنتمية للأعراش القاطنة على مستوى جبال سلسلة الأطلس البليدي محافظة على عادات وتقاليد تعود لآلاف السنين.

والاحتفال بحلول يناير تسبقه تحضيرات عديدة منها إعادة طلاء المنازل وكذا اقتناء أواني فخارية جديدة، بالإضافة إلى تغيير أحجار “الكانون” الذي يستعمل في طهي أطباق يناير، وفقا لذات المصدر. هذا إلى جانب توجه النسوة نحو البساتين والغابات المجاورة لجمع الأعشاب التي تستعمل في طهي عدد من الأطباق التقليدية المحلية.

وعملا بمقولة “نهار حشيش ونهار عيش ونهار ريش” تقوم ربات البيوت في اليوم العاشر من يناير بتحضير الأطباق المكونة من أعشاب غابية وخضروات على غرار طبق “الحشلاف” المطهو بأعشاب الجبل وطبق “قطع وارمي” و”تبيخة” المكونين من جميع أنواع الخضر و”بطاطا فليو” الطبق المفضل لدى البليديين.

وفي اليوم الثاني يتم تحضير مختلف الوصفات المصنوعة من العجائن على غرار “البغرير” و”الخفاف” و”المعارك” تيمنا بسنة حلوة وكذا طبق “الكسكس” و”البركوكس”، فيما يجتمع أفراد العائلة، كبيرا وصغيرا، في اليوم الثالث على مائدة العشاء لتناول الطبق الرئيسي المحضر من لحم الدجاج والعجائن، بحيث تفضل أغلبية العائلات البليدية تحضير طبقي “الفطاير” و”الرشتة”.

ومن بين التقاليد التي تنفرد بها هذه المنطقة، تخصيص نصيب حتى لأفراد العائلة الغائبين لتمنح بعد انتهاء العشاء إلى عابري السبيل أو المحتاجين، يقول السيد بن سونة، مضيفا أن حتى الحيوانات يخصص لها نصيبها في صورة تعكس أسمى صور الرحمة والتآزر والتلاحم.

وتجسيدا لهذه القيم الانسانية، يضيف السيد بن سونة، يحرص الجيران والأقارب على تبادل الأطباق المحضرة بهذه المناسبة التي لا تحلو دون “الدراز” المكون من مختلف أنواع المكسرات والحلويات والفواكه التي تسكب فوق رأس الطفل الأصغر بالعائلة بعد وضعه داخل “قصعة” (طبق كبير) تيمنا بسنة مليئة بالخير ليتكفل بعدها أكبر أفراد العائلة بمنح كل واحد نصيبه بالتساوي.

وبالرغم من اختلاف عادات وتقاليد الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة من منطقة لأخرى، إلا أنها تبقى من أهم المناسبات التي توحد الشعب الجزائري حول هويته كونها تعد من ملامح الوحدة الوطنية خاصة بعد إضفاء الطابع الرسمي عليها واعتبارها عطلة مدفوعة الأجر ابتداء من سنة 2018.

لمياء. ب