أحيت، اليوم السبت، الجزائر الذكرى الـ 34 ليوم الشهيد، عرفانا لما قدمه من تضحيات جسيمة في سبيل تحرير البلد، فهو الذي لبى النداء وضحى بالنفس والنفيس دفاعا عن الوطن والحرية والشرف، صادقا عهده ولم يبدله تبديلا. وقد خصص تاريخ 18 فيفري كيوم وطني للشهيد وتم الاحتفال به لأول مرة سنة 1989 بمبادرة من تنسيقية أبناء الشهداء تكريما لمـا قدمه الشهداء حتى لا ننسى مغزى الذكرى واستشهاد مليون ونصف المليون من الشهـداء لتحرير الجزائر، وتهدف هذه المناسبة إلى إرساء الروابط بين الأجيال وتذكير الشباب بتضحيات الأسلاف من أجل استخلاص العبر والاقتداء بخطهم الشريف، وعرفانا بما قدمه الشهداء من تضحيات جسيمة، ويمثل هذا اليوم وقفة لمعرفة مرحلة الإستعمار التي عاشها الشعب الجزائري في بؤس ومعانـاة وهذا لأن التاريخ يمثل سجل الأمم، فالجزائر أمة مقاومة للإحتلال منذ فجر التاريخ خاصة الإستعمار الفرنسي الإستيطاني الشرس، حيث قدمت الجزائر خلاله قوافل من الشهداء عبر مسيرة التحرر التي قادها رجال المقاومات الشعبية منذ الإحتلال في 1830 مرورا بكل الإنتفاضات والثورات الملحمية التي قادها الأمير عبد القادر والمقراني والشيخ بوعمامة وغيره من أبناء الجزائر البررة وكانت التضحيات جساما مع تفجير الثورة المباركة في أول نوفمبر 1954، حيث التف الشعب حول جيش التحرير وجبهة التحرير الوطني، فكانت تلك المقاومة والثورة محطات للتضحية بالنفس من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة وبفضل تلك التضحيات سجلت الجزائر استقلالها في 5 جويلية 1962.
“الهدف من يوم الشهيد هو ترسيخ قيمة الشهيد وعظمة تضحياته”
“عندما التقى أبناء الشهداء في الندوة الأولى التي جمعتهم في نادي الصنوبر يوم 18 فيفري 1998 أجمعوا على اختيار هذا اليوم كيوم وطني للشهيد، وهذا انطلاقا من قناعة بأن مقام الشهيد في أعلى مقامات التبجيل والتذكير والأيام الوطنية والعالمية التي تعوّد شعبنا أن يحتفل بها على المستوى الرسمي والشعبي، فلقد اعتاد المواطن الجزائري أن يحتفل بأعياد وطنية ودينية ولكنه لم يسمع منذ الإستقلال حتى عام 1990 بشيء اسمه اليوم الوطني للشهيد وهو 18 من فيفري، ونظرا لأن مكانة الشهيد معززة عند الله وعند البشر لأنه هو الوقود الذي أشعل لهيب الحرية، وهو المصباح الذي أنار درب السيادة والاستقلال وبالنظر إلى أن الشهيد يبقى في كل الأزمان المتعاقبة رمزا للحرية والكرامة التي ينعم بها الشعب حاضرا ومستقبلا، وبالنظر إلى أن الشعب الجزائري قدم قوافل الشهداء الأبرار قربانا إلى مذبح الحرية وأنه يدرك أن أولئك الشهداء جاهدوا ضد العدو وفرطوا في الملك والأبناء والأزواج وملذات الحياة فداء لهذا الشعب ليعيش حرا أبيا كريما، فإن كل الإعتبارات وغيرها مما لا يتسع المقام لحصرها دفعت أبناء الشهداء من خلال منظمتهم الوطنية، إلى اعتبار يوم 18 فيفري من كل عام يوما وطنيا للشهيد، وهذا ليستعيد الشعب الجزائري إلى ذاكرته العملاقة بهذه المناسبة شريط التضحيات والدم والنار والعذاب وجثث الشهداء وجراح أيام الإستدمار الفرنسي ولكي يربط بين الماضي والمستقبل، وليتذكر أن هؤلاء ماتوا في خندق واحد ومن أجل هدف واحد ومن أجل حرية شعب الجزائر العربي الأبي المسلم.
وقال الأمين الولائي للمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء إسماعيل أونيسي: “إن الهدف والغاية المقصودة من وراء اعتبار هذا التاريخ يوما وطنيا للشهيد، إنما هو من أجل ترسيخ قيمة الشهيد وعظمة تضحياته في مقدمة هذا الشعب من أجل الحرية وفي نفسية وأذهان الأجيال الحاضرة التي كادت الأوضاع الحالية ومظاهر الجري وراء ملاذ الحياة الدنيا من قبل هذا وذاك ممن يعدون من الجيل الذي قاد ثورة التحرير الكبرى في الجزائر ضد الظلم والاستغلال الفرنسي ليعود إلى ذاكرة الجيل الحاضر أن أولئك الشهداء لم تلههم الدنيا عن الوطن وحريته .
فالبعد الذي يرمي إليه هذا اليوم هو الرجوع بذاكرة الشعب إلى الوراء أيام الإستدمار الفرنسي وأيام الثورة، وما قدمت هذه الثورة من تضحيات وأرواح من أجل انتزاع حرية هذا الشعب من قبضة العدو الفرنسي ولكي يعيش هذا الشعب سيدا كريما متراحما فيما بينه .
مغزى هذا اليوم كذلك هو تذكير أبناء الجزائر من جيل الإستقلال بأن الحرية والسيادة والإستقلال ما كانت لتكون كلها لولا أن قدم الشعب مليون ونصف مليون من أبنائه كثمن عظيم لها، ولكي يقف الشعب وجيل الإستقلال على حقيقة فرنسا التي تدعو اليوم إلى تنصيب محاكم ضد النازية الألمانية، متناسية أن نازيتها في الجزائر لم تبلغ درجتها النازية الهتليرية ولا حتى النازية الصهيونية المعاصرة.
إن اتخاذ هذا اليوم يوما وطنيا للشهيد فيه رجوع بهذا الشعب وبذاكرته إلى البطولات والمقاومات والثورات الشعبية التي كانت البدايات الجهادية لثورة التحرير الكبرى، وفيه وقوف على تاريخ كفاح هذا الشعب الطويل المتلاحق المراحل حتى الإستقلال، وفيه تعبير عن اعتزاز الشعب الجزائري بكفاحه المرير وبقوافل شهدائه عبر المقاومات الشعبية حتى يوم النصر المبين، ليقرأ فيه الشعب نفسه ويقف على معاني التضحيات الحقيقية من أجل الوطن ليستخلص بنفسه أنه لا تاريخ لشعب ولا مكانة له إن هو ترك نضالاته ورموز كفاحه وذكريات ويلات الإستدمار وراء ظهره فارا وهاربا إلى الأمام يبحث عن ملاذ الدنيا من جاه وسلطة ومزيد من الإنغماس في ملاذ الحياة .
عودة بالشعب إلى تاريخ أجداده
واتخاذ مثل هذا اليوم يوما وطنيا للشهيد فيه عودة بهذا الشعب وبوعيه إلى تاريخه، ليقرأ فيه معاني الوطنية والنضال والإسلام والجهاد وحب الوطن، من خلال استذكاره لقوافل الشهداء الذين قدمهم قربانا لمذبح الحرية، فجاءوه فرحين طائعين مهللين فعاشوا شرفاء وماتوا من أجله شرفاء ولم تستطع الدنيا أن تسرق منهم جلال الوطن ولا ذلوا ولا استكانوا أمام الأعداء وما ركعوا لشهوات الدنيا مثلما ركع لهذا اليوم الكثير بعد الإستقلال والتحرير.
وفي نهاية المطاف، فإنه سيبقى يوم 18 فيفري رمزا حيا للجزائر ومعنى غاليا لا يزول من ذاكرة الأجيال الصاعدة، ويبقى رمز الشهيد الجزائري الذي سيبقى شوكة عالقة بحلق فرنسا الإستعمارية مذكرا الأجيال والشباب بجرائم ديغول وبيجو وبيجار ولاكوست وغيرهم من جلادي فرنسا الإستعمارية، وسيبقى يوم 18 فيفري يذكّر الأجيال والمجاهدين والشعب الجزائري بخطي شال وموريس ومذابح خراطة وقالمة وسطيف وسياسة الأرض المحروقة التي نفذتها النازية الديغولة.
ق.م