%19 من المطلقات خلعن أزواجهن “الخلع بين الظلم والتحرر”.. الأسر الجزائرية في خطر

%19 من المطلقات خلعن أزواجهن “الخلع بين الظلم والتحرر”.. الأسر الجزائرية في خطر

-65 ألف حالة طلاق في 2018 و الجزائر تحتل المرتبة الـ10 عربياً و73 عالمياً

كشفت وزيرة التضامن والأسرة وقضايا المرأة غنية الدالية عن تسجيل أكثر من 65 ألف حالة طلاق، منها 19 % حالة خلع، أي ما يمثل حوالي 13 ألف جزائرية، مقللة من شأن انتشار ظاهرة الطلاق في الجزائر بعد احتلالها للمرتبة العاشرة عربيا و78 دوليا في تصنيف قام بإحصاء حالات الطلاق في 132 دولة.

وقسمت الوزيرة حالات الطلاق في الجزائر إلى 48.6 % بإرادة منفردة، و15 % برضا بين الطرفين، و19.8 % عن طريق الخلع، و16 % تطليق. وأكدت الدالية أن حالات الطلاق لا تخص الشباب فقط بل تعدتها لتنتشر في أوساط المسنين.

وحسب غنية الدالية، فإن تلاحم الأسرة الجزائرية تأثر كثيرا بفعل انتشار الوسائط الاجتماعية المختلفة على غرار فايسبوك، تويتر و واتساب، في الإطار ذاته قالت إن الوزارة بصدد التحضير لبرنامج سيعمل مستقبلا على استقرار الأسرة الجزائرية والتقليص من عدد حالات الطلاق، من خلال تحضير الشباب المقبلين على الزواج وتوعيتهم بالمسؤولية.

 

أرقام متزايدة واستقرار الأسرة على المحك

باتت أروقة العدالة الجزائرية مسرحا لحكايات غريبة وعج_بة، تجسد واقعا مريرا لجملة الأسباب التي باتت تفكك الرابطة الزوجية المقدسة، فبعدما كانت المرأة الجزائرية، في وقت سابق، لا تلجأ لطلب الطلاق إلا إذا بلغت أقسى مراحل المعاناة، صارت اليوم، ومع التعديلات التي مست قانون الأسرة لسنة 2005، تخلع نفسها لأسباب مقنعة وأخرى تافهة حسب قول المتابعين.

وأصبح الخلع وسيلة شرعية تستعملها المرأة كحق للخروج من عدة ضغوط  في العلاقة الزوجية، وباتت ترى في الخلع حلا لشراء حريتها حسب نظرتها، وكسر القيود التي تفرض عليها من طرف الزوج، ترى فيه منفذا ومتنفسا خاصة بالنسبة للنساء اللواتي استنفدن جميع الطرق لحل مشاكلهن الزوجية، ولم يبق أمامهن سوى الحديث بلغة المال والدخول إلى المحاكم من أوسع الأبواب لطلب الخلع، فوقائع المجتمع تحكي عن ظلم تتعرض له النساء، فيفضلن التضحية بالمادة مقابل الظفر بالحرية ورد الاعتبار إليهن في المجتمع، ليصطدمن في النهاية بنظرة المجتمع غير المنصفة للمرأة الخالعة لزوجها التي لا تغفر أبدا عملا من هذا القبيل.

في حين يرى البعض أن أسباب الخلع تعود للنزعة التحررية التي سادت في الآونة الأخيرة لدى النساء الجزائريات، وما تبعها من استقلالية اقتصادية كعامل ساهم في تنامي هذه الظاهرة.

 

.. هكذا تشتري المرأة الجزائرية حريتها

تنص المادة 54 من قانون الأسرة الجزائري أنه “يجوز للزوجة دون موافقة الزوج، أن تخلع نفسها بمقابل مالي، وإذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم”. أما التطليق فتنص عليه المادة 53 التي تجيز للزوجة أن تطلبه لأسباب عشرة حددها النص، منها الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر والحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة وارتكاب فاحشة، والشقاق المستمر بين الزوجين.

 

الظاهرة في ارتفاع وقانون الأسرة الجزائري في عين الإعصار

قال الحقوقي والقانوني عمار خبابة في تصريح سابق: “مع الأسف كان تعديل قانون الأسرة الجزائري بأمر صادر من رئيس الجمهورية سنة 2005 دون مناقشة داخل البرلمان سببا مباشرا لازدياد حالات الخلع، فقد انصب هذا التعديل على جملة من المواد أربكت البناء القانوني لنص قانون الأسرة الصادر بعد نقاش طويل عريض لعديد السنوات وعلى مستوى العديد من المنابر. فالتعديل أطلق يد المرأة في الخلع، حيث أصبح الخلع قرارا تتخذه الزوجة دون موافقة الزوج، وعدلت كذلك المادة التي تنص على السكن، إذ جعلت من سكن الحاضنة حقا مطلقا لا شروط ولا قيود له، بل من الطرافة أن الزوجة التي كانت حال الزواج دون مسكن وتسكن بيتا قصديريا، بعد الخلع يلزم الزوج بتوفير مسكن ملائم وإن تعذر عليه أن يدفع للمطلقة الحاضنة مبلغا ماليا لإيجار مسكن”.

وفي هذا الصدد يضيف عمار خبابة، أن المحاكم الجزائرية باتت تعج بقضايا الخلع لعديد الأسباب منها التافهة ومنها المقنعة، إلا أن الضحية هم الأبناء، الأمر الذي يستدعي الإسراع في تعديله ووضع حد لتفكك آلاف الأسر الجزائرية.

 

رابطة حقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر

دق رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، هواري قدور، ناقوس الخطر بشأن ارتفاع حالات الخلع في الجزائر التي تؤكد أرقامه بأنه من شأنه أن يضر بالأسرة واستقرارها وبالمجتمع خلال الأعوام القليلة القادمة.

وفي هذا السياق، قال هواري قدور إن الأسرة تبنى على ركيزتين، هما الرجل والمرأة ولابد من وضع قيود إجرائية وموضوعية، حتى لا يستغلان سهولة إجراءات الطلاق والخلع لهدم بيتهما و بنية الأسرة، الخلية الأولى في المجتمع، لأتفه الأسباب، وعليهما بالتفكير مطولا والبحث في كل الحلول الممكنة من أجل إعادة المياه إلى مجاريها، قبل الإقدام على خطوة للهدم بدل البناء، مشيرا أنه لا بد من تدخل المشرع لوضع قيود وشروط بالنسبة لفك الرابطة الزوجية بالطلاق والخلع، فكلاهما يتم دون موافقة الطرف الآخر.

وحول أسباب ارتفاع حالات الخلع في الجزائر، قال هواري قدور إنه ناتج عن عدة أسباب منها عنف الأزواج إلى جانب تراكم أسباب أخرى جنسية ونفسية واجتماعية مختلفة.

وعليه دعت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى مراجعة قانون الأسرة لوضع جملة من الإجراءات والشروط من أجل الحد من ظاهرة الطلاق والخلع، وكذا تكوين مختصين في الإستشارات الزوجية والأسرية، لمعالجة المشاكل والخلافات في وقتها قبل أن تتفاقم وتصل إلى أروقة المحاكم.

 

الخلع حق للمرأة.. وسببه فراش الزوجية

أكدت أستاذة علم الإجتماع، زهرة فاسي، أن المجتمع الجزائري مخطئ في الصورة التي يضعها بشأن المرأة التي تطلب الخلع بأنها امرأة متحررة وهدفها هو فك الرابطة الزوجية لأتفه الأسباب، وحول الظاهرة قالت الأستاذة فاسي: _الخلع موضوع قديم جديد، وقبل الحديث عنه يجب الإشارة إلى حالات الطلاق التي بلغت 50 ألف حالة سنويا، فلماذا عندما نسمع هذا الرقم لا تثار ضجة وعندما تقرر امرأة خلع نفسها تثار ضجة؟ لأن قرار الطلاق كان يقرره الزوج في حال وجود أسباب تحل بالعشرة الزوجية وهذا في رأي المجتمع أمر عادي”.

وفي هذا الصدد، نبهت الأستاذة فاسي إلى الأسباب الحساسة التي تحتم على المرأة خلع نفسها وهي الطابوهات التي كانت تتكتم سابقا عن ذكرها بحكم الإنغلاق الذي كان يسود المجتمع، وفي مقدمة الأسباب فراش الزوجية، قائلة: “في الماضي كان موضوعا مسكوتا عنه لأن المفتي رجل والداعية رجل والإمام رجل وكلهم متسترون. بينما المرأة في العشرة الزوجية تعنف وتسلب حقوقها وكأن من يعيش معها وحش، فهناك من يجدن أزواجا مرضى بطلب محرمات وهناك مرضى نفسانيون، فعندما تسد كل أبواب النجاة والحلول لا تجد المرأة سوى النفاذ من ذلك الواقع المرير وهذا حق من حقوقها، وأنا شخصيا لم التق بامرأة طلبت الخلع دون سبب مقنع”.

 

ضعف الوازع الديني وعدم الشعور بالمسؤولية ساهما في ارتفاع الظاهرة

قال المستشار السابق لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، عدة فلاحي: الرابطة الزوجية في الإسلام قائمة على الود والرحمة كما أشارت الى ذلك الآية الكريمة “وجعل بينهما مودة و رحمة” وفي كثير من الحالات حينما تسقط هذه القاعدة يكون الانفصال لعدم القدرة على مواصلة العشرة المشتركة”.

وأضاف المستشار أن هذه القاعدة تزعزعت في العقود الأخيرة بسبب طبيعة العصر الحديث، وما يشكله من ضغوطات مادية ونفسية، مشيرا إلى أن المنظمات الدولية والدول عمدت إلى وضع ميكانيزمات تقلل من ضرر فك الارتباط، وبالخصوص الضرر الذي قد يلحق بالمرأة، بل توسعت رخصة الخلع التي أقرها الإسلام نفسه وأضحت مقننة، الأمر الذي شجع المرأة على أخذ المبادرة حتى ربما تتخلص من استبداد الرجل وعنفه في سلوكاته معها أو مع أبنائها، أو أنها لا تجد توافقا نفسيا وجنسيا بينها وبينه.

وحول أسباب انتشار الظاهرة، يقول المستشار السابق لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية إن الاستقلال المادي وتوفر فرص العمل شجعا المرأة الجزائرية على الاستغناء عن الرجل الذي يتحمل المسؤولية الكبرى في عجزه لاحتواء المرأة التي بلغت مستوى من الوعي ومن النضج، الذي يحتم عليه تغيير طريقة وأسلوب التعامل معها، مضيفا: “ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن ننسى بأن ضعف الوازع الديني وعدم الشعور بالمسؤولية وتحمل تبعاتها كذلك ساهما في ارتفاع معدل الخلع الذي يبقى علاجا وحلا لا يجب الرجوع إليه دائما، وإلا فقدت الخلية الأولى للمجتمع وهي الأسرة مكانتها، وبالتالي يفقد المجتمع مركزيته الصلبة”.