الأمير عبد القادر الجزائري.. بداية المقاومة

الأمير عبد القادر الجزائري.. بداية المقاومة

اقتحمت جحافل الغزو الفرنسي الاستعماري مدينة الجزائر يوم 5 يوليو 1830 واستقبل المجاهدون هذا الحدث بثبات، دون أن يداخل نفوسهم أي شعور بالخوف أو القلق، فقد ارتفعت رايات الغزاة الإسبانيين من قبل فوق معظم المدن الساحلية، غير أنها لم تلبث أن سقطت ممرغة بالوحل، وتعرضت مدن الجزائر لغارات بحرية كثيرة، دحرت كلها وتراجعت، وظن رجال القبائل، وأبناء المدن الداخلية للوهلة الأولى أن القضية لن تكون أكثر من قضية غزو عابرة، أو أنها في أسوأ الأحوال، لن تتجاوز حدود الصراع مع جهاز الحكم “التركي العثماني” غير أن النوايا الفرنسية تكشفت بسرعة، عندما أخذت الإدارة الاستعمارية في التطلع إلى ما وراء المدن الساحلية، وزاد الأمر سوءا بما أقدمت عليه جحافل الغزو من “أعمال إبادة وحشية”. وبدأت الغشاوة في السقوط عن أبصار أولئك الذين تعاونوا في بداية الأمر مع السلطات الاستعمارية أو حتى هادنوها. ولم تلبث قوات المرابطين وقياداتها أن رفعت “راية الجهاد في سبيل الله” وكان ذلك بداية تطوير الصراع المسلح. وعقد المرابطون مشاورات طويلة لدراسة الموقف، فاتفقت كلمتهم على اللجوء إلى “محيي الدين” واستشارته في أنجح وسيلة لعلاج الأزمة. وعندما اجتمع المرابطون، خاطبهم محيي الدين ناصحا بالعبارات التالية: ” تعرفون جميعكم أني رجل عبادة وتقوى. ويتطلب الحكم استخدام القوة والعنف وحتى سفك الدماء. ولكن ما دمتم تصرون على أن أكون سلطانكم فإني أقبل، ولكن أتنازل عن ذلك لصالح ابني عبد القادر”. واستقبل الحضور هذا الحل المباغت بالموافقة. فقد كان عبد القادر معروفا لديهم. وتوجه فارس إلى “قيطنة” لإحضاره. وفي الصباح الباكر من اليوم التالي، الموافق 21 نوفمبر 1832 م. دخل عبد القادر مدينة معسكر وقد غصت كل الشوارع والطرق المؤدية إلى المدينة بجموع المسلمين. وكان الرجال والنساء والأطفال يتبادلون التهاني في مظاهرة ترحيب بهجة بسلطانهم الجديد. وبعد إدخاله إلى “الرحبة” حيث كان المجلس منعقدا، أعلم عبد القادر بكل ما حدث. وفي هدوء، ودونما زهو، أجاب عبد القادر: “أن من واجبي إطاعة أوامر والدي – أنا لها، أنا لها” وانفجرت حماسة الناس وصاحوا بصوت واحد: “الحياة والنصر لسلطاننا عبد القادر”. وجلس السلطان الشاب للناس يتقبل بيعتهم، وكان أبوه أول من بايعه ولقبه “بناصر الدين”. وعندما أزفت صلاة الظهر قام بالناس إماما، ثم خطب فيهم، وشرح لهم الأخطار المحيطة بهم، وما كاد ينهي حديثه حتى ارتفعت صيحات “الجهاد – الجهاد”.

من كتاب – جهاد شعب الجزائر-