إِنَّ الجريمة سلوك شاذ، يهدد أمن الأفراد، واستقرار المجتمعات، ويقوض أركان الدول والبلاد، وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء بعدلها القويم، ومبادئها الشاملة تدور حول صيانة الضرورات الأساسيَّة التي لا يستطيع الإنسان أن يستغنى عنها، ويعيش بدونها، وقد وضعت الشريعة الإسلاميَّة في سبيل المحافظة على هذه الكليات عقوبات زاجرة وأليمة لكل من يتعدَّى عليها، وينتهك حرمتها. والإسلام باعتباره دين صلاح وإصلاح قد تصدى للظاهرة الإجراميَّة، وحرص الإسلام على الوقاية من الجريمة، وحاربها بطرق متعددة، وعلى مستويات مختلفة، وفاق بذلك كل النظم الوضعيَّة في الحد والإقلال من الجريمة، وإحدى الطرق التي اتَّبعها الإسلامُ في ذلك هي وضعه لنظام العقوبة. إن الحِكْمَةُ مِنْ تَشْرِيعِ الحُدُودِ في الإِسْلامِ ليس المراد بالحدود التشفي، وإيقاع الناس في الحرج، وتعذيبهم بقطع أعضائهم، أو قتلهم، أو رجمهم، وإنما المراد هو أن تسود الفضيلة وتُمنعُ الجريمة، ويعيش الناس في استقرارٍ وهدوءٍ وأمن، ومن هنا نجد أنَّ الشرع ييسر في هذه الحدود، فإذا اشتدت الظروف في حالاتِ الجوع والخوف والحاجة تُعطل الحدود، كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة. ومن التيسير أيضًا أن الإسلام يأمر بالستر قبل الوصول إلى الحاكم فقد رُوْىَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ يشهد على الزنا: “لو سترته بثوبك كان خيرًا لك” رواه أبو داوود. فالحدود في الإسلام إنما هي زواجر تمنع الإنسان المذنب أن يعود إلى هذه الجريمة مرة أخرى، وهى كذلك تزجر غيره عن التفكير في مثل هذه الفعلة وتمنع من يفكر في الجريمة من ارتكابها، وهى أيضًا نكال “مانع” من وقوع الجريمة على مستوى الفرد، وعلى مستوى الجماعة، والعقوبات على الجرائم إنما جعلت زاجرة ومكفرة، فإنَّها زاجرة عن أن ترتكب المعاصي، ولم تُشَرَّعُ العقوبة بهدف الانتقام من المجرمين، وإنما لها أهداف وغايات عظيمة ومنها:
1- حفاظ على المصالح الأساسية للمجتمع وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وهى ما تُعرَفُ بـ “الكليات الخمس”.
2- ردع المجرم عن ارتكاب جريمته، فعندما يرى العقوبة فإنه من المؤكد أَنَّهُ سيرتدع عنها مرة أخرى.
3- ردع غير المجرم عن تقليد المجرم في جريمته، فعندما يرى كل من تُسَوِّلُ له نفسه ارتكاب جريمة ما حلَّ بمجرم آخر ارتكبها قبله فإنه سيخاف ويرتدع عن ارتكابها حتى لا يلحق به من العقوبة ما لحق بغيره.
4- تهذيب نفس المجرم وإصلاحه، فليس المقصود من العقوبة مجرد الانتقام من المجرم، أو مجرد إلحاق الأذى به، بل يقصد إصلاحه وتحقيق مصلحته.
من موقع الألوكة