لقيمةِ العفو وعلوِّ قدره فقد وصف الله تعالى به نفسه، وجعله مع مطلق القدرة؛ فقال عز وجل: ” إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ” النساء: 149، وجاء العفو في سياق قرآنيٍّ آخر مع المغفرة؛ فقال الله تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ” النساء: 43، وفي مقام العفو عن زلَّات العباد جاءت البُشرى بقوله تعالى: ” وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ” الشورى: 25.
والعفو من أخصِّ صفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولما أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالعفو الدائم، فقد تمثَّل هذا المعنى في قلبه وكيانه؛ قال الله تعالى: ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” آل عمران: 159.
وقد عاش صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى ينفق منه؛ لأنه كأنه كان مركوزًا في قلبه، فقد عفا صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي دسَّت له السمَّ في الطعام. ومن أعاجيب مواقف العفو في حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه عفا عن رأس النفاق في زمانه بعدما قدم أدلة إدانته في كثيرٍ من المواقف الفاصلة، فقد استغفر لعبد الله بن أبي بن سلول، ومنحه قميصه، وراجع ربَّه في طلب العفو عنه، وهو من ظاهري النفاق، حتى قال الله تعالى له: ” اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ” التوبة: 80، وما أشهر عفو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة يوم الفتح العظيم!.