إن الصبر على طاعة الله تعالى من أعظم أبواب الصبر، وهو عمل يستلزم صِدْق العبد مع الله تعالى، والصدق مع نفسه أيضًا ومجاهدتها على فعل الطاعة؛ لأن النفس تركنُ إلى الراحة، فالصلاة تحتاج إلى الصبر؛ كما قال تعالى: ” وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا” 132، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله مما يحتاج إلى صبر؛ كما قال تعالى حاكيًا عن لقمان ” يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ” لقمان: 17، ومرافقة أهل الصلاح تحتاج إلى صبر؛ كما قال تعالى ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ” الكهف: 28؛ وهكذا كل العبادات والطاعات تحتاج إلى صبر للمداومة عليها؛ لا سيَّما الأعمال التي تحتاج إلى وقت طويل، وتلك التي تتطلب البذل والعطاء والتضحية فلا ينال العبد ثمراتها بعد الاستعانة بالله تعالى إلا بالصبر والمثابرة، فهذا الذي يصبر عن الحرام لا يُسمَّى عفيفًا إلا بعد الصبر والمثابرة على ذلك، والذي يصبر عند لقاء العدوِّ يُسمَّى شجاعًا، والذي يصبر على إخراج المال وزكاته يُسمَّى كريمًا، والذي يصبر على حاله لا يفرح بالمال إذا أتى، ولا يجزع إذا ذهب، فإنه يُسمَّى زاهدًا، والذي يصبر على كتمان السِّرِّ يُسمَّى كاتمًا وحافظًا للسِّرِّ؛ بل إن العبادات والطاعات تحتاج إلى صبرٍ مِن قبل الشروع فيها وأثناء وبعد الانتهاء منها؛ قبل الشروع فيها؛ وذلك بتصحيح النية والقصد والإخلاص لله تعالى، وأثناء الشروع فيها؛ وذلك بإتقانها وعدم التعلُّق بأنظار الآخرين لحفظ العمل من الرياء، وأمَّا بعد الفراغ من العمل؛ وذلك بأن يصبر نفسه عن الإتيان بما يبطل العمل؛ كما قال تعالى ” لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ” البقرة: 264، وأن يصبر عن رؤية العمل والعجب به، وأن يصبر عن نقله من السِّرِّ إلى العلانية.