الأخضرية، مدينة صغيرة تشبه غيرها من مدن الجزائر بمبانيها وطرقاتها وسكانها، لكن محيطها والطريق المؤدية إليها يلفتان انتباه أي زائر للمدينة أو عابر سبيل يمر بجوارها باتجاه الجزائر العاصمة أو مدن الشرق الجزائري.
تسكن مدينة الأخضرية في ذكريات المسافرين الجميلة الذين كانوا يمرون بها للانتقال إلى ولايات الشرق الجزائري، فحينما يمر المسافر بقربها وهو قادم من الشرق الجزائري أو ذاهب إليه، لا يمكنه إلا أن يتابع بشغف واهتمام تلك المناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بالمدينة، فهي تقع على ربوة محاطة بجبال صغيرة يجري تحتها وادٍ تملأه المياه العذبة، وتحيط الأشجار المختلفة والمساحات الخضراء والحقول والمزارع بالمدينة من كل جانب، وتبدو المدينة على بُعد كيلومترات قليلة من الطريق واضحة المعالم للمسافرين المارين قربها، وهي مزيج من المباني الفردية القديمة والعمارات الحديثة.
الأخضرية.. نقطة عبور قريبة إلى القلوب
تقع الأخضرية على بعد 40 كيلومترا شرق الجزائر العاصمة (عبر الطريق السيار شرق\ غرب) ومن قبل كانت تبعد عن الجزائر العاصمة بـ 75 كيلومترا عبر الطريق الوطني رقم (5)، و45 كيلومترا غرب مدينة البويرة ويحدها كل من بلدية القادرية شرقا والحدود مع ولاية بومرداس شمالا وبلدية بودربالة غربا وبلدية معالة وجبال الزبربر عموما من الجنوب، يمر منها وادي يسر الذي يخترق جبال صخرية تقع شمال غرب المدينة مشكلا ما يعرف بفج الأخضرية (ليقورج)، هو يمتد على مسافة تقارب 07 كيلومترات بمحاذاة الطريق الوطني رقم (5).
شلالات دائمة الجريان وغابات دائمة الخضرة
شلالات الأخضرية أو سيد أحمد الزورق، هي أحد الأماكن والمناظر الخلابة التي تزخر بها طبيعة الجزائر عموما والأخضرية خصوصا، تبعد هذه الشلالات عن الجزائر العاصمة شرقا بمئة كيلومتر، وتقع عند مدخل الأخضرية أو “باليسترو” سابقا، وهو ما يسمح للزائرين بالتمتع بها ومشاهدتها، وتعرف هذه الشلالات عند أهالي المنطقة بشلالات سيد أحمد.
وتعتبر الأخضرية همزة وصل بين الشمال والشرق الجزائري، وهي منطقة فلاحية مشهورة بزراعة الحمضيات وتتميز باخضرار دائم طوال أيام السنة، هذا ما جعلها قبلة العائلات خاصة أيام الحر ونقطة توقف الآلاف من المسافرين من وإلى الجزائر العاصمة والمدن الشرقية للبلد للراحة والاستجمام والتمتع بجمال الطبيعة، المنطقة عبارة عن جبلين صخريين يقطعهما الطريق البري الرابط بين الشرق والوسط الجزائري، تتخللها أشجار كثيفة وكهوف تحوي على مختلف أنواع الطيور، خاصة طائر الحجل المنتشر بكثرة في المنطقة، كما يقطع الجبلَ كهف تعبره خطوط للسكة الحديدية، تتخللها شلالات دائمة الجريان، تسميته تعود لإحدى القصص الأسطورية والتي تروي أن سيد أحمد الزورق يأتي للمنطقة طلبا لملح (طعام) السكان. حيث يكون المكان مليئا بالعائلات من مختلف ولايات الجزائر، منهم من يعرف المكان ودأب على زيارته من حين لآخر ومنها ما اكتشفه لأول مرة وحنين العودة إليه يراودهم، وكأنه نقطة عفوية لالتقاء العائلات من كل جهات الجزائر.
السكة الحديدية… تخترق الجبال وتمنح المنطقة لمسة يد الإنسان
حينما يبتعد المسافرون عن مركز المدينة بحوالي كيلومترين باتجاه الجزائر العاصمة، تقابلهم مناظر طبيعية أكثر روعة وجمالاً، والبداية بطريق متعرِّجة ضيقة تقع بين جبلين متقابلين ومتقاربين حيث لا يفصل بينهما سوى أقل من مائة متر، وفي هذه التضاريس الوعرة، تم “نحت” هذه الطريق أثناء فترة احتلال الجزائر لتمر منه سيارات المعمرين الفرنسيين والأوروبيين وكذا الآليات العسكرية للجنود، ويبدو أنه قد بذلت جهوداً كبيرة لشق هذا الطريق في أحد الجبلين، حيث أزيلت منه أطناناً من الصخور العملاقة لتتمكن أخيراً من تذليل الطبيعة وشق الطريق، وحينما امتد بشكل عريض في بعض أجزائه، حفر نفقاً داخله طوله حوالي 30 متراً لتمر السيارات من خلاله.
وقرب الطريق انتشرت الكثير من اللافتات التي تحذر المسافرين من سقوط الحجارة من أعلى الجبل على الرغم من إحاطته بسياج حديدي لحماية أصحاب السيارات والمركبات المختلفة التي تستعمل هذا الطريق يومياً، حيث يربط شرق الجزائر بوسطها وغربها.
المكان رائع ومريح للمسافر الذي أجهده طول الطريق، فالجبلان اللذان تتوسطهما الطريق تكسوهما مختلف الأشجار الغابية والنباتات الكثيفة، وفي وسط أحدهما يظهر بوضوح مدخل نفق القطار الرابط بين الجزائر العاصمة ومدن الشرق الجزائري منذ العهد الاستعماري الفرنسي إلى الآن، ويمتد هذا النفق لمئات الأمتار داخل الجبل، وقد تعرض للهدم منذ نحو سنة بسبب احتراق قطار للبضائع داخله، فتطلب الأمر الاستنجاد بشركة أجنبية عملت لأشهر طويلة قبل أن تتمكن من انتشال القطار وسائقه الذي توفي داخله وتعذر دفنه لأشهر، وبعدها أقامت الشركة عدة مداخل للنجدة للتمكن من التدخل السريع في حال حدوث كوارث مشابهة مستقبلاً.
وفي أسفل الجبل والطريق معاً يقوم الشباب بنصب “صناراتهم” لصيد السمك من وادٍ عريض تعبره مياه عذبة تكثر في الشتاء وتنقص في الصيف، وبالقرب منهم تتهاطل مياهٌ غزيرة من منبع بأعلى الجبل في شكل انسيابي بديع، ويحلو للمسافرين تسمية المنبع بـ “الشلال”، وكثيرا ما يقوم المسافرون بالتقاط صور تذكارية قربه بكاميراتهم الرقمية وهواتفهم النقالة رغبة منهم في نقل الذكرى وتسجيل أحلى اللحظات، وفوق قمم هذا الجبل وغيره تبدو العديد من مواقع الحراسة الأمنية، وقد تم بناؤها في التسعينيات خلال العشرية السوداء التي جعلت المنطقة من بين أكثر مناطق الجزائر معاناة بسبب الإرهاب ودمويته، ولعبت هذه المناطق دوراً فاعلاً في صد هجمات الإرهاب ودحره بهذه المنطقة الجبلية الوعرة.
مبيعات على قارعة الطريق والمنعرجات
على طول الطريق، وبالقرب من هذه المناظر الرائعة الجاذبة للمسافرين، يقوم شبانٌ من المنطقة التي يقطنها هجينٌ من الأمازيغ والعرب، بنصب سلع عديدة وعرضها على عابري السبيل، وأهمها زيت الزيتون التي تشتهر بها “منطقة القبائل” الأمازيغية وكذا التين المجفف، بينما يقوم شبان آخرون بعرض طائر “السمَّان” الصغير الحجم للبيع حياً أو مشوياً، إضافة إلى بعض الملبوسات والأواني التقليدية التي يقتنيها المسافرون إما للاستعمال أو للذكرى .
ورغم ما كان يتخوف منه البعض من توقف هذه التجارة بسبب الطريق السيار شرق\ غرب، إلا أن الكثير من التجار ظل على يقين من أن الزبائن المخلصين الذين تعوَّدوا على الذوق الشهي لطائر “السمان” المشوي، لا يمكنهم التفريط في هذه الوجبة اللذيذة التي لا يجدونها في مكان آخر، ولذا سيعودون مجدداً حتى بعد فتح الطريق السريع بالمنطقة، وهو ما كان فعلا، فبالرغم من افتتاح الطريق إلا أن الكثيرين ما زالوا يذهبون إلى هناك، ويقول الكثير من المسافرين الذين تعودوا المرور من تلك المنطقة إن جمال مناظر المنطقة يجعلهم لا يستغنون عنها حتى بعد فتح الطريق السيار بالمنطقة.
جمال إلهي وتجار الحجل زادوه جمالا
تتزين طريق الأخضرية بطيور الحجل المعروضة داخل الأقفاص الخشبية، والتي تجذب انتباه الفضوليين من السائقين الذين لا يفوتون فرصة التوقف لاستطلاع الأمر، خاصة بعد انتشار روائح شواء الطيور الصغيرة المزركشة باللونين الأسود والبني وهناك البيضاء، وبغرض استقطاب الأنظار يقوم التجار الصغار بوضع الحجلة الأم في القفص الكبير فوق مجموعة من الأقفاص، التي قد تصل إلى ثلاثة مرصوصة على قارعة الطريق، وبجنبها يتم تهيئة مكان خاص للشواء التقليدي، من خلال انجاز موقد صغير مكون من الصخور المتوسطة الحجم يتوسطها الجمر وبعض الأعشاب، التي تعمل على الحفاظ على التهاب ألسنة النار، وليكون للطبق المعروض خصوصيته يتم تخصيص مواقع في الطبيعة بين جذوع الأشجار أو على جنبات الصخور الكبرى وبأسعار معقولة.
وتستغل العائلات المسافرة رطوبة الجو بالمنطقة لأكل لحم طيور الحجل المشوي، رغبة منهم في الأكل وكذا لتشجيع مثل هذه المبادرات من الشباب الذين تمكنوا بأشياء بسيطة من جعل المترددين على هذه الطريق يتوقفون للاستمتاع بجمال الطبيعة قبل شراء المعروضات، كما أن الأسعار المقترحة جد معقولة وفي متناول الجميع، خاصة ذوي الدخل المحدود، حيث لا يزيد سعر الطير الواحد عن 80 دج، وحتى وإن كان صغير الحجم كونه من صغار طيور الحجل، إلا أن مذاقه لذيذ، وما يزيد من نكهته طريقة أكله،
ولم يقتصر الأمر على المسافرين المارين من هناك بل تعداه إلى المجيء خصيصا للمنطقة، حيث هناك من يحضر عائلته في أيام نهاية الأسبوع والعطل السنوية، حيث يكتظ المكان عن آخره بالزوار، الأمر الذي يعرقل حركة المرور لعدة ساعات بسبب ضيقه وتوقف العديد من العربات المرقمة بعدة ولايات قرب بائعي لحم طيور الحجل، ما جعل التجار يطالبون السلطات المحلية بتنظيم هذا النشاط وربطه بالسياحة الجبلية، حيث أن هناك عددا كبيرا من الأجانب وهم من عمال الشركات الأجنبية تعودوا على المكان وحتى على الصخور التي تحولت إلى طاولات المطعم الجديد. وبخصوص مقاييس النظافة والذبح، يؤكد التجار أنهم يراعون كل ما يتعلق بعملية الذبح وترك الطير يتخبط في أحد الصناديق قبل أن يتم سلخه ووضعه على المشواة بعد إضافة القليل من الملح، ومنه فلا يمكن الحديث عن مخالفات البيع .
لمياء بن دعاس

