الله عز وجل حكيم في أفعاله، رحيم بعباده، يبتليهم بالبأساء والضراء لِحكم، فمن مصلحة الخلق أن يُبتلوا بالبأساء والضراء، من أجل أن يخضعوا لربهم، ويتذللوا له، ويتوبوا إليه؛ قال الله عز وجل: ” وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ” الأعراف: 94، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يعني ” بِالبَأساءِ ” ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام، ” والضَّرَّاءِ ” ما يصيبهم من فقر وحاجة، ونحو ذلك، ” لَعَلَّهُم يَضَّرَّعونَ “؛ أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون في كشف ما نزل بهم. فحريٌّ بالعباد عند نزول البأساء والضرر بهم، من: فقر، أو جوع، أو خوف، أو أوبئة، ونحوها، أن يتضرَّعوا إلى الله بالدعاء، ويُنيبوا إليه بالطاعة، ويتوبوا عما هم عليه من ذنوب وآثام، لعل الله أن يرحمهم، فيكشف ما نزل بهم، وليحذروا أن يكونوا ممن قال الله عز وجل فيهم: ” وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ” المؤمنون:76؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ” وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ “؛ أي: ابتليناهم بالمصائب والشدائد، ” فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ “؛ أي: فما ردهم ذلك عما كانوا عليه من الكفر والمخالفة، بل استمروا على غيهم وضلالهم، ” ما استكانوا “؛ أي: ما خشعوا، ” وَمَا يَتَضَرَّعُونَ “؛ أي: ما دعوا.
والعباد إذا استمروا على ما هم عليه من باطل، ولم ينيبوا ويتوبوا إلى الله، فقد يستدرجون نعوذ بالله من ذلك، فيفتح الله عز وجل عليهم أبواب الرزق والنعم، حتى إذا أصابهم البطر، واستولى عليهم الإعجاب بما مُتعوا به، جاءهم عذاب الله فجأةً؛ قال الله سبحانه وتعالى: ” فَلَمَّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ فَتَحنا عَلَيهِم أَبوابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذا فَرِحوا بِما أُوتُوا أَخَذناهُم بَغتَةً فَإِذا هُم مُبلِسونَ ” الأنعام: 44؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم، عياذًا بالله من مكره، ولهذا قال ” حَتَّى إِذا فَرِحوا بِما أُوتوا “؛ أي من الأموال والأولاد والأرزاق، ” أَخَذناهُم بَغتَةً “؛ أي: على غفلة، ” فَإِذا هُم مُبلِسونَ “؛ أي: آيسون من كل خير؛ قال عبد الرحمن السعدي رحمه الله: وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.