رغم زيادة الوعي بالأكل الصحي وانتشار الثقافة الغذائية

الأكل عند الجزائريين.. ما بين إشباع الجوع والعناية بالصحة

الأكل عند الجزائريين.. ما بين إشباع الجوع والعناية بالصحة

يعتبر الأكل مادة الحياة التي منها يتغذى الجسم ويتكون، لينمو وكذلك ليعوض ما فقده في العمل، غير أن الجسم لا يحتاج منه إلا إلى قدر معلوم، حيث إذا زاد عليه ولّى سما بطيئا أو سريعا، وعادة ما يقع الناس في هذا الخطأ، حتى صار عدد المرضى بسوء الهضم يزداد يوما بعد يوم مقارنة بالأسقام الأخرى، فمن السهل تعوّد كثرة الطعام، ولكن من الصعب تعوّد الاكتفاء بالقليل النافع والمغذي منه، فالإنسان في حياته يأكل ليعيش لتحقيق أهدافه، لا يعيش ليأكل ليجعل من الأكل همّه الوحيد.

تجمع الصحة بالغذاء علاقة وطيدة، وبخصوص هذا الموضوع نزلت “الموعد اليومي” إلى بعض من شوارع العاصمة، لتستطلع آراء بعض من المواطنين حول عاداتهم الغذائية.

فكانت أول من التقت بها في السوق الشعبي ببراقي، السيدة “راضية”، التي راحت تحدثنا عن عاداتها الغذائية قائلة: “أنا أحرص كل الحرص على أن أقدم لعائلتي الصغيرة أفضل المأكولات اللذيذة والغنية في ذات الوقت”، وعما إذا كانت تنتقي أفضل الخضر والفواكه، أجابت: “لا يمكن لنا أن نكذب على أنفسنا، فزوجي يشتري الخضر والفواكه ذات الأسعار المعقولة والمتوسطة الجودة، غير أنني أعمل على تنظيفها جيدا، حتى أقدم أكلا صحيا خاصة لأطفالي الصغار”.

السيدة “ربيعة”، وبصراحة كبيرة حدثتنا عن أنماط الأكل في منزلها، فقالت: “من يحسب لنا عدد المرات التي نأكل فيها يجدها كثيرة، ولكن من ينظر إلى ماذا نأكل، سيدرك بأننا لا نأكل شيئا، إذا ما قارنا أنفسنا بالبلدان الأخرى ذات الأطعمة المتنوعة والقليلة”.

وعن أنواع الأكل التي تقدمها لعائلتها، قالت ربيعة: “تعالي واسأليني هذا السؤال في شهر رمضان، أين تكون أنواع الأكل حاضرة، فصدقا نحن نعي ثقافة الأكل، إلا أن غلاء المعيشة هو من فرض حاله”.

“عمي أحمد” رجل متقاعد وأثناء حديثنا إليه وجدنا بأن لديه نظرة مغايرة تماما لما قيل سابقا، حيث قال في الموضوع: “أنا أحب أن آكل كما ونوعا، فالطعام المفيد لا يكون في مكوناته التي لطالما نربطها باللحم”، ضاربا السياق بمثل شعبي قائلا: “ألي يلبس الحرير دائما عريان، ولي يأكل اللحم كل يوم جيعان”، مضيفا “أفضّل كثيرا الأكل الصحي وإن ارتفع ثمنه، آكل جيدا بدل أن يأكل الطبيب مالي، فصحتي في غذائي، والمرأة الماهرة هي التي تحسن التدبير والإعداد، حيث تقوم بإعداد أكل يكون قليلا، لذيذا، متنوعا وغنيا، لتضمن بهذا استمتاع الجميع وتحفظ من جهة أخرى، مال معيلها وصحة أهلها.”

“عبد النور” طالب مقيم بالمدينة الجامعية عن ثقافته الغذائية قال: “أكذب لو قلت إني لا أعلم أمرا عن ثقافة الأكل، إلا أن التربية والمال والوقت، عوامل ذات صلة بالأكل”، وعن توضيحه لأمر الأكل قال: “بحكم دراستي بالجامعة بعيدا عن أهلي، لا أجد الوقت لتحضير الأكل، ما يضطرني للدخول لأول مطعم يصادفني واقتناء أي شيء أسد به رمق الجوع دون أن أكترث للعواقب”، وعما إذا لا يأبه لأمر الصحة، اكتفى “عبد النور” بقوله “كل شيء بيد الله.”

“الحاجة محجوبة” التقيناها بإحدى الأسواق الشعبية وهي تحمل أكياسا عديدة مليئة بالخضر عندما سألناها عن سر كل تلك المشتريات، قالت: “لا سر ولا شيء، هو زاد الأسبوع”.

وكمحاولة منا لإشباع فضولنا من عجوز مخضرمة سألناها عن جودة الخضر والفواكه، فأجابت: “عن أي جودة تسألون، الأسعار ملتهبة والجودة غائبة”، وعن سبب غياب الجودة، قالت الحاجة: “لا شيء من هذه المقتنيات طبيعي، فكلها مشبعة بمواد كيماوية، لهذا نحن مرضى”.

وعن طبيعة الغذاء الذي كانت تتناوله في زمانها، قالت: “في أيامي كنا نأكل كل شيء طازجا من الحديقة على طبيعته، لذلك لم نكن نعرف للأمراض وجودا.”

 

الأم المسؤولة الأولى عن عادات الغذاء

إن الطفل كما يكتسب من والديه كل العادات والسلوكيات، فإنه يكتسب أيضاً النمط الغذائي الذي يسيرون عليه. والأم باعتبارها المسؤول الأول عن غذاء الأسرة، فإن وعيها بالغذاء السليم يؤدي إلى جيل يعرف ماذا يأكل، وكيف يأكل، خاصة مع الاستعراض الكبير للمنتجات الغذائية المعروضة في الأسواق، والتي تسهم الدعاية في رفع شأنها، تلزم الأم على التحلي بدور أكبر، وذلك بتوعية أسرتها وحماية أطفالها، من خلال إدراكها أن الغذاء الصحي المتوازن هو الذي يحتوي على نشويات وفيتامينات وأملاح معدنية وبروتينات وكذلك الألياف الغذائية. بالإضافة إلى وعيها بضرورة تناول أفراد أسرتها لكميات مقننة تتناسب وسنهم ومجهودهم وجنسهم، ويجب أن يكون منوعاً ويقدم بطريقة تساعد على فتح الشهية، وخالياً من المواد الضارة والمواد الحافظة ومكسبات الطعم والرائحة والملونات الصناعية وغيرها، ولتسهيل الأمر على الأمهات، تمّ تقسيم الأطعمة المهمة إلى ثلاث مجموعات، مجموعة أغذية الطاقة متمثلة في النشويات والسكريات والدهون، ثم مجموعة أغذية الوقاية متمثلة في الفواكه والخضروات (مطهية أو طازجة)، ثم أخيراً هناك مجموعة أغذية البناء متمثلة في البروتينات الحيوانية والنباتية، والتنوع مطلوب بين البروتينات الحيوانية والنباتية، وأيضاً اجتماع كل من البقول والحبوب في البروتين النباتي، فعندما تعد الأم الوجبة عليها أن تجمع صنفاً من كل مجموعة من هذه المجموعات .

 

الدكتورة نعيمة موساوي: “لا إفراط ولا تفريط في الأكل

أكدت الدكتورة الأخصائية في أمراض المعدة والجهاز الهضمي نعيمة موساوي، أنه يستوجب على الإنسان أن يتحلى بثقافة الاعتدال في الأكل من خلال إتباع الفرد لحمية يومية، ومعنى هذا أن يختار الفرد نوع الأكل الذي يجب أن يكون مراعيا لشروط النظافة والصحة، ويكون غنيا ومتنوعا، بالإضافة إلى توزيع وجبات الطعام على فترات، والابتعاد عن كل المأكولات المستوردة والمصنعة.

وعن أمراض سوء التغذية بالإفراط أو التفريط، تقول الدكتورة: “إن من أكثر الأمراض التي قد يتسبب فيها الإفراط في الغذاء، ارتفاع نسبة السكر، ارتفاع ضغط الدم وكذلك البدانة، وكذلك أمراض تنتج على مستوى الجهاز الهضمي الذي يعتبر من أكثر الأمراض انتشارا بسبب التغذية، حيث تنصح الدكتورة بالإكثار من أكل أنواع عديدة من الفواكه والخضر، لأنها خير مصدر لما يحتاجه الجسم في اليوم.

فبالرغم من أن الأكل نعمة ومتعة الإنسان ولذته، إلا أن هذا لا يلزم من قلَبه من نعمة إلى نقمة، لهذا استوجب علينا مراعاة ما نأكله، لأن في مراعاة الأكل مراعاة وحفظ للصحة.

ل. ب