موروث حضاري تتناقله الأجيال

مؤسسو جمعية العلماء المسلمين.. منارات علمية منذ زمن الاستعمار

مؤسسو جمعية العلماء المسلمين.. منارات علمية منذ زمن الاستعمار

ترك مؤسسو جمعية العلماء المسلمين إرثا علميا ومعرفيا كبيرا محفوفا بالأقوال الشهيرة والمواقف الثابتة منذ زمن الاستعمار، والتي بقيت صالحة لكل الأوقات والأزمنة.

ما تزال مؤلفات وكتب الأعضاء المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي ورغم صدورها في القرن الماضي، إلا أنها تشكل مصدر إلهام ومنارة مشرقة على صفحات المفكرين المعاصرين والعلماء وحتى الدعاة وأئمة المساجد، لما تحتويه من مواقف ومقومات ثابتة ذات تأثير خالد ينير العقول ويشرح القلوب إلى اليوم.

 

أسماء خلدها التاريخ

وأوضح رئيس المكتب الولائي بقسنطينة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأستاذ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، عبد العزيز شلي في وقت سابق، أن قسنطينة مدينة تاريخية ذات أهمية كبيرة في الثقافة الإسلامية، حيث كانت مركزا للعلماء والفلاسفة والمؤرخين في العصور الوسطى ومن بين هؤلاء العلماء، ثلة كانت تزخر بهم جمعية العلماء المسلمين التي تأسست سنة 1931، ومن أبرز علمائها نجد عبد الحميد بن باديس (قسنطينة)، مبارك الميلي (ميلة)، العربي التبسي (تبسة) والبشير الإبراهيمي (سطيف) هم من أبرز العلماء المسلمين في الجزائر والوطن العربي الذين قاموا بتأريخ الموروث الإسلامي الثقافي لهذه المدينة والحفاظ على التراث ونقلوه بأمانة للأجيال الجديدة، وكان لهم دور كبير في نشر التعاليم الإسلامية وتحفيظ القرآن ومحو الجهل والأمية من خلال إصدار مجلات ومؤلفات عديدة حول تاريخ الجزائر وثقافتها ردا على محاولات المستعمر لطمس هوية هذا الوطن.

موروث فكري

وبفضل هذا الموروث الفكري لأعضاء جمعية العلماء المسلمين، فقد أصبحت المقولات الشهيرة لهؤلاء العلماء المستقاة من مؤلفاتهم منارة لا تنطفئ في قسنطينة وكذا عبر العالم كله كحجة رادعة لمن يشكك في هوية وثوابت المقومات في البلد على غرار ”شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب” (عبد الحميد بن باديس)، أو ”من حاول إصلاح أمة إسلامية بغير دينها، فقد عرّض وحدتها للانحلال وجسمها للتلاشي وصار هادما لعرشها بنية تشييده” (مبارك الميلي) أو ”ويح لليهود ومن معهم، إن غرس صهيون لا ينبت وإن نبت فإنه لا يثبت” (البشير الإبراهيمي).

 

صناعة الرجال: التراث اللامادي للجمعية

وكما ورثت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تراثا ماديا يتمثل في المقالات، الكتب والمؤلفات وكذا المدارس والمكتبات، فقد ورثت أيضا تراثا لا ماديا من خلال الدروس التي كانت تقدم إبان الثورة التحريرية ضد الاستعمار، والتي بفضلها استطاع مؤسسو هذه الجمعية تكوين رجال المستقبل وإعدادهم للثورة من أجل تحرير الوطن والعقول، مثلما أفاد به رئيس مؤسسة عبد الحميد بن باديس، الأستاذ الباحث بجامعة الإخوة منتوري- قسنطينة 1، عبد العزيز فيلالي.

وأكد ذات المتحدث أن العلامة عبد الحميد بن باديس ركز خلال حياته على تشييد المنشآت التربوية التعليمية ثم تفرغ بعدها لصناعة الرجال أمثال عبد الرحمن شيبان (الذي صار وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف)، إبراهيم مزهودي (الذي شارك في مؤتمر الصومام وكان أحد أعضاء مجلس الثورة) وكذا عبد اللطيف سلطاني بالإضافة إلى أحمد حماني (رئيس المجلس الإسلامي الأعلى) ومحمد خير الدين (ممثل جبهة التحرير في الخارج).

وكشف الأستاذ فيلالي أن الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس كان يقدم حوالي 10 دروس تكوينية يوميا مكنت من تخريج ما يفوق 200 طالب من معهده آنذاك، كلهم شاركوا في الثورة ومن بينهم بوذراع صالح، أحد تلامذته الذي كان ينوي حمل السلاح ضد فرنسا سنة 1947.

وقد عمد بن باديس، رفقة مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين بلغ عددهم 11 عضوا، إلى غرس المقومات الدينية والروح الوطنية لدى المواطنين، حيث لم تقتصر مهمته على منطقة الشرق الجزائري فقط، بل عمل على جعل المكتب الوطني لهذه الجمعية بنادي الترقي (ساحة الشهداء بالجزائر العاصمة) حتى يعطيها طابعا وطنيا ثم توسع نشاطه فيما بعد ليشمل كل ربوع الوطن عبر المكاتب الولائية التي تم افتتاحها وكذا المؤسسات التربوية الدينية بمختلف الولايات على غرار دار الحديث بتلمسان.

ق. م