عُرف بحب المطالعة وشغف التعلم

سي الطيب الجغلالي.. مفكر متفتح ومجاهد شجاع

سي الطيب الجغلالي.. مفكر متفتح ومجاهد شجاع

ولد الشهيد الطيب الجغلالي سنة 1916 بمنطقة ولاد تركي، بلدية “شامبلين” سابقا والعمارية حاليا شرق المدية، كان مولعا بالمطالعة، حيث أنشأ مكتبته الخاصة التي كانت تضم عشرات الكتب التي تتناول مواضيع مختلفة، قام الجيش الاستعماري بإضرام النار فيها بعد اندلاع الثورة، ولم يتوقف انتقام المحتل عند هذه المرحلة بل قام بنهب قطعة أرض كانت ملك لعائلة سي الطيب وإحراق حيواناتهم الأليفة ومحاصيلهم ليجد ابنه محمد الذي كان يبلغ فقط ست سنوات، نفسه وحيدا مع والدته وأخته الصغيرة سعدية التي لم يكن سنها يتجاوز بضعة أسابيع، واستمر اصرار العدو الفرنسي لضرب أسرة المجاهد آنذاك ليصل ذروته، فاعتقل زوجة الطيب الجغلالي التي تم احتجازها بعد ذلك في مركز تابلاط شمال شرق المدية.

وبعد فترة قصيرة، توفيت ابنته سعدية نتيجة عدم إرضاعها لتكون بذلك أول شهيد لعائلة العقيد سي الطيب، علما أن في نهاية الثورة، بلغ عدد شهداء عائلة بوقاسمي الكبيرة خمسة عشر شهيدا.

بدأ سي الطيب الجغلالي نضاله من أجل الحرية داخل الحركة الوطنية عندما كرس عدة سنوات لتعليم الأطفال القراءة والكتابة من قرى العمارية شرق المدية، مسقط رأسه الأصلي وبن شيكاو وسيدي نعمان.

وكان سي الطيب الجغلالي يدرك أن الشعب سيتمكن، بالمعرفة، يوما ما من تحرير نفسه من جحيم الاستعمار، وعلى هذا الأساس كرس نفسه على مدار سنوات لهذه المهمة، في نفس الوقت الذي كان يناضل سياسيا لمكافحة الاستعمار.

وتحدى سي الطيب الذي كان معارضا شرسا للوجود الاستعماري، السلطات العسكرية بكل جرأة برفضه الاندماج القسري في القوات الاستعمارية التي كان من المقرر إرسالها إلى الجبهة الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث اختفى لتفادي التجند في هذه القوات معتبرا أن القضية التي يدافع عنها ليست له وأن تحرير البلد أولوية.

وبمناسبة انتخابات المجلس الجزائري في أفريل من عام 1948، قام سي الطيب بعدة أعمال تخريبية لتعطيل سير هذا الاقتراع وأظهر استعداده لإجهاض محاولة دمج الجزائر مع فرنسا وتحسيس الشعب الجزائري بمغزى انشاء مجلس جزائري مشكل من نواب جزائريين وفرنسيين في آن واحد.

وبعد أن كان محل بحث من قبل السلطات الاستعمارية، اتخذ سي الطيب جبال العمارية كمأوى له، وخلال مدة قاربت أربع سنوات، متنقلا من مخبأ إلى آخر إلى غاية اعتقاله سنة 1952، وبعد أن قضى عقوبته في السجن، تم إطلاق سراحه وفي السنة الموالية أعيد سجنه، حسب ما نقله ابنه.

وفي الفترة التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية، كانت اتصالات الشهيد مع الشهيدين سويداني بوجمعة ومراد ديدوش متواصلة ومنتظمة، حسب محمد بوقاسمي الذي تطرق إلى دور المسمى زوبير الذي استقر بالبلدية المجاورة البرواقية كعون اتصال بين هذين القائدين القادمين من الجزائر وسي الطيب ومشاركته في التحضيرات للكفاح المسلح في المنطقة الثانية بالولاية التاريخية الرابعة.

وباعتباره مناضلا في الحركة الوطنية منذ 1937، كان الشهيد مسؤولا على تنظيم الخليات السياسية المحلية، كلفه قادة الثورة قبيل اندلاع الثورة، بجمع الأموال والأسلحة وتجنيد الشباب المقاتلين وتأطير السكان.

وبمساعدة المناضلين القدماء الناشطين لصالح القضية الوطنية، من بينهم سي بن يوسف كريتلي ورشيد بن سيد أمو، بدأ سي الطيب في تنظيم الكفاح بجبال المنطقة تحضيرا للمهام المرتقبة.

وحسب الأرشيف المحلي، فقد كلف سي الطيب الشهيد رابح سعودي الملقب “الجباس”، بمهمة التجنيد ونجح في استقطاب مجندين جدد، وبالتالي تعزيز صفوف جيش التحرير الوطني.

وابتداء من فيفري 1956، أُرسل مجندون شباب إلى مخيمات التدريب بجبال “زبربر” (البويرة) لإدماجهم فور انتهاء تدريبهم، في وحدات جبال زكار وموزاية والونشريس وفي مناطق كفاح أخرى، حسب ما جاء في الأرشيف.

وأفاد أيضا بظهور مجموعة أخرى بتابلاط تحت قيادة القائد سي لخضر (رابح مقراني)، الذي سقط في ميدان الشرف بتاريخ 5 ماي 1958 بجبل بولقرون، بلدية جواب شرق المدية، وأخرى في البرواقية تحت قيادة الشهيد إبراهيم العيد، في حين المجموعة الثالثة كانت تنشط ابتداء من سنة 1956 ببلدية عين بوسيف تحت قيادة الشهيد محمد الكرارشي.

وقضى سي الطيب ثلاث سنوات في قيادة المنطقة الثانية بالولاية التاريخية الرابعة، وهي الفترة التي ألحقت فرقه خسائر فادحة ضد المحتل.

وتم ترقية سي الطيب إلى رتبة عقيد خلفا للعقيد سي الحواس، قائد الولاية التاريخية السادسة، بعد استشهاده في مارس 1959، ليصبح بذلك القائد الجديد لنفس الولاية التاريخية.

وأثناء توجهه إلى الولاية السادسة التاريخية لتولي منصبه الجديد، دخلت مجموعة المقاتلين التي كان يقودها في اشتباكات مع القوات الاستعمارية بالقرب من بلدية حد صحاري بالجلفة، حيث استشهد سي الطيب الجغلالي وأربعة عشر من رفاقه في السلاح أثناء هذا الاشتباك الذي وضع بتاريخ 29 جويلية 1959 حدا لمسار حافل بتضحيات وانتصارات عسكرية تبقى راسخة في الذاكرة الجماعية.