فاطمة فتاة في الخامس والثلاثين من العمر، حنطية البشرة، ذات شعر أسود طويل، وقامة متوسطة، ممتلئة القد، تنحدر من منطقة تيميمون، لم تكن كباقي الفتيات التي أسعفهن الحظ في هذه الحياة.
إنه يوم الجمعة في حي السلام…. فاطمة في سابع نوم… تدخل السيدة عائشة والدة فاطمة صارخة كعادتها: انهضي يا ابنة الشؤم ….انهضي!
فاطمة (بنصف عين مفتوحة): اووووه….. أصبحنا وأصبح الملك لله ….
تحاول فاطمة أن تستيقظ ولكن بطريقتها الخاصة تفتح شرفة غرفتها الواسعة ترمق العصافير التي كانت تزين النخيل….. يا سلام ما أجمل المنظر….
تعود السيدة عائشة قائلة: أين أنت؟؟؟…..هل نمت أم مت؟؟؟ تحركي بسرعة اليوم يجب أن نرتب البيت….بسرعة تحركي
فاطمة (مستغربة): ولما الترتيب وبهذه السرعة… أصلا كل يوم أنا أقوم بأشغال البيت وهو مرتب كل يوم.
السيدة عائشة: لقد كلمتني أم محمد ولمحت إلى موضوع خطوبة أو زواج وأظنها قصدتك…..
فاطمة (متلهفة): ماذا… ماذا…. ماذا ….. خطوبة…. ولي أنا……ههههه…..أمتأكدة يا أمي
السيدة عائشة: لا تضيعي الوقت…. اعدي الحلوة وضعي شيئا من الاثمد في عينيك وحمرة في شفتيك، لكن إياك أن تكثري وارتدي فستانك الوردي ولا تنسي أن تحضري بعضا من التمر من البستان والحليب… الحليب إن لم تجدي في الثلاجة فلابد وأن الماعز موجود به ما يكفي لتبييض وجوهنا أمام الضيوف…..هيا……
في المساء جاءت أم محمد برفقة ثلاث نسوة من خيرة أهل المنطقة…. يطرق الباب وتفتح السيدة عائشة، ترحب بالضيوف وتدعوهم للجلوس..
تومئ السيدة عائشة إلى إحدى بناتها أن تجهز الشاي الفاخر، فهو علامة من علامات الكرم.
تبدأ النسوة بتأمل أركان البيت.. فتقول إحداهن للأخرى كل شيئ منظم ومرتب ما شاء الله، عليك يا آخت عائشة.
عائشة (مبتسمة): إنها ابنتي فاطمة من صغرها تساعدني في أعمال البيت…. تبارك الله … كل أصبع بصنعة….
أم محمد: وماذا عن ابنتك زينب؟ أهي ماهرة كأختها؟ أين هي؟ نادها لنكسب رؤيتها.
ترتبك السيدة عائشة ولم تعرف ما تصنع… تحاول إخفاء ارتباكها بمناداة زينب، كل هذا يحصل في الدار وفاطمة تراقب الوضع عن كثب وساورها شك في أن أمرا ما سيحدث.
تخرج زينب…. تتفحصها أم محمد وتقول: ما شاء الله تبارك الرحمن ….. وجه حسن ومبسم وردي القالب غالب…
أم محمد: أرجو ألا تخجليني ولن أشرب الشاي حتى تلبي لي ما أطلب.
السيدة عائشة: وما هو طلبك؟
أم محمد جئت إلى بيتك وكلي رجاء أن تعطي زينب لابني البكر محمد، فلن أحظى بعروس بجمالها.
السيدة عائشة مرتبكة: على الرحب والسعة إن شاء الله دعينا نتشاور وما سيحصل يسر خاطرك.
هنا بدأت السيدة عائشة بحوار داخلي مع نفسها قائلة إذن العروس المقصودة هي زينب، أما المسكينة فاطمة لا نصيب لها خصوصا وأنها قاربت الأربعين.
تدخل فاطمة إلى غرفتها وتضحك ههههههههههههههه كنت متأكدة أنني لست المقصودة ولم يبق لي أمل ههههههههه، هنا تتذكر قبل سبعة أعوام كانت فاطمة تحب ابن عمها عبد الله وكانت تحاول إظهار شيئ من زينتها لكي تلفت انتباهه، لكنه لم يكن يعتبرها إلا أختا له وصدمها أكثر عندما خطب أختها رقية….. آه يا زمن ألا يكفيني لطم، امتزج شعور السخرية بدموع الأمس الغالية…. تنهدت طويلا وقالت لا أسف على رخيص إذا راح الغالي… لا يجب أن أتوقف عن الحياة وكأن روحا أخرى كلمت فاطمة وداوت جروحها… لن أستسلم وليس الزواج هو كل شيئ، بل يجب علي أن أشق طريقي، نعم يجب أن أطور مهاراتي وأعمل لأشغل نفسي وأغلق أذني عن عالمي الذي لا يهمه سوى الزواج والانجاب وخدمة البيت، اف، ثم اف روتين قاتل تبا.
على الرغم من أن العمل محظور على الفتيات في الجنوب، إلا أن فاطمة استطاعت بعد سنوات بسيطة أن تعمل في التكوين المهني كمدرسة خياطة وبالمساء تعمل في دار القرآن بجوار المسجد في إطار محو الأمية تعلّم الفتيات.
ارتاحت نفسيتها كثيرا وقالت لم يعد هناك معنى للعنوسة، إنها كلمة جائرة في حق الفتيات، سأغير الفكر السلبي وأزرع في بنات قريتي أن النجاح والاستمرار في الحياة يكون بفضل الإرادة والتحدي سواء كانت متزوجة أم لا.
بقلم: حليمة بن عبد الرحمن\ ولاية بشار