تقع بين أحضان الهضاب العليا، منطقة صامدة تجمع كل التناقضات، ثلثاها غابات كثيفة، مراع، مساحات خضراء ومرتفعات وقمم جبال شامخة تكسوها الثلوج على مدار الشتاء، وتتناثر من على أوراق شجرها مع حلول فصل الربيع، تباهت بسلسلة جبال الونشريس فلقبت بعاصمة الونشريس…. تيسمسيلت.
تيسمسيلت… ومتعة التأمل في غروب الشمس
هي مقام إلهام الشمس، أشعتها تخترق رقة أغصان شجر الأرز، البلوط والصنوبر، وتضيء أفواه المغارات والقلاع والأبراج، ومن هذا السحر الطبيعي استمد سكانها اسمها، فتيسمسيلت كلمة أمازيغية تنقسم إلى قسمين تيسم: غروب وسيلت: الشمس، بمعنى غروب الشمس، أو هنا تغرب الشمس المصطلح يرجع إلى اللهجة المستعملة من طرف سكان المنطقة قديما (الأمازيغ)، ومنذ ذلك العهد تداولت التسمية على المنطقة بتيسمسيلت للمتأمل في متعة ظاهرة غروب الشمس.
مؤهلات طبيعية وتقاليد تنتظر الالتفات
تشتهر تيسمسيلت بطابعها الفلاحي لوجودها في منطقة الهضاب العليا أو التل، كما تشتهر ببطاقات سياحية لوجود مناظر طبيعية خلابة نذكر منها جبال الونشريس وغابات المداد المحمية عالميا المصنفة كحظيرة وطنية شهيرة بغابات الأرز والحظيرة الجهويـة “عين عنتر” التي تتربع على مساحة تقدر بـ 500 هكتار – علوها 1983مترا، حيث تغطيها ثلوج شتاء، توجد بها أنواع عديدة من الأشجار مثل البلوط، الأرز، الصنوبر، الفلين وثروة حيوانية نادرة مثل الذئب والثعلب والخنزير وبعض الطيور الجارحة، إضافة إلى الآثار الرومانية في مدينة “خميستي كوليم ناتا” وقلعة الأمير عبد القادر الأثرية في مدينة تازة، بالإضافة إلى اعتزازها بالسياحة الحموية بسيدي سليمان بأعالي جبال الونشريس، وهي منطقة ذات موقع استراتيجي على علو 1230 مترا، بها محطة معدنية تتدفق مياهها من أعماق الصخور مستغلة منذ 1910، درجة حرارة مياهها 42°، تصلح لعلاج أمراض عديدة على غرار داء المفاصل المزمن، داء الروماتيزم، أمراض المعدة والأمعاء وكذا الجلدية.
كما تعرف الولاية أيضا بالصناعات التقليدية التي تتميز بها المنطقة ومنها على وجه الخصوص، صناعة النسيج والزربية بمناطق “قرية سلمانة” وبلديات العيون وثنية الحد وبرج الأمير عبد القادر، إلى جانب أهم العادات والتقاليد التي ما يزال يحافظ عليها سكان الولاية على غرار الوعدات أو التظاهرات الشعبية كوعدة “مطماطة” وتظاهرة المهرجان الوطني للشعر الشعبي والأغنية البدوية التي تنظم خلال شهر نوفمبر من كل سنة.
…. ومواقع أثرية تحكي التاريخ
لكل منطقة من الجزائر معالم أثرية وشواهد تاريخية تروي حكاية الحضارات التي تعاقبت عليها، ومنها تيسمسيلت التي سجلت وتركت تراثا تاريخيا حافلا بالبطولات والأمجاد، فولاية تيسمسيلت من بين الولايات التي تزخر بمواقع أثرية جد هامة، تجسد مراحل تاريخية مختلفة، بدءا بما قبل التاريخ مرورا بالعصر القديم، انتهاء بالعصر الإسلامي، نقتصر على ذكر أهم المواقع الأثرية الموجودة على تراب الولاية تلك المقترحة للتصنيف وذلك لأهميتها الأثرية البالغة على غرار موقع عين الصفا الذي يقع شرق بلدية تيسمسيلت على بعد 7 كلم على الطريق الوطني رقم 14، الرابط بين بلدية تيسمسيلت وثنية الحد، يرجع تاريخ هذا الموقع إلى فترة ما قبل التاريخ وبالتحديد إلى العصر الحجري الحديث، وهو عبارة عن مغارة بها نقوش وزخارف مختلفة الأشكال، وكتابات ليبية بربرية.
منشآت عسكرية رومانية ومواقع إسلامية
وموقع عين تكرية الذي يقع بمنطقة خميستي، على مقربة من الطريق الوطني رقم 14، وهو من بين التحصينات العسكرية التي شيدها الرومان ضمن منظومة خط الدفاع (الليمس)، وقد كانت تعرف أثناء العهد الروماني باسم “كوليمناتة”، وهي تعود إلى القرن الثاني ميلادي، وبالتالي تعتبر أقدم منشأة عسكرية على تراب الولاية، بالإضافة إلى موقع تازا الواقع ببلدية الأمير عبد القادر، ويعود إلى الفترة الإسلامية، وهو عبارة عن قلعة من قلاع الأمير، وقد أنشأها سنة 1838 ونتيجة لأهمية هذا الموقع تجرى حفرية من قبل باحثة جامعية، وقد أسفرت عن نتائج مهمة، فتيسمسيلت المنطقة المتفتحة على الخارج، يمكنك دخولها من أي باب شئت من أبوابها الأربعة، موقعها الإستراتيجي أهّلها في الماضي أن تشهد نشاطا تجاريا مكثفا وأن تكون مسرحا ودرعا واقيا لمواجهة مختلف الغزاة.
ثنية الحد… لبنان الجزائر
بمجرد الوصول إلى ثنية الحد، تجد نفسك أمام غابة كثيفة وسلسلة جبلية، حيث تكسو هذه الغابة أشجار أرزية متغلغلة في الماء، لا يوجد من نوعها في العالم إلا محطتين بمثل هذا الجمال، الأولى بلبنان والثانية بالجزائر بثنية الحد.
الحديقة الوطنية ثنية الحد أو الإسم الشائع جنة الأرز وهي أول منطقة محمية في الجزائر، تبعد عن عاصمة ولاية تيسمسيلت بحوالي 50 كم وهي عبارة عن صخرة ملفوفة ومحاطة من كل جانب بالمراعي، حيث تتربع على مساحة قدرها حوالي 3424 هكتارا، تتواجد في جنوب الأطلس التلي وتمتد بين جبال الونشريس وجبال الصورصو.
وتعرف المنطقة بتلك الغابة الكثيفة التي تتخللها مختلف أنواع الأشجار أهمها شجرة الأرز الأطلسي، وهذه الميزات جعلتها مصنفة كمحمية وطنية وعالمية وكأحد أهم الأقطاب السياحية في الجزائر، هذه الحظيرة ألهمت كل المؤرخين والمستكشفين والجنود والقديسين عبر الأزمنة ورغم ما تعرضت له من طرف المستعمرين إلا أنها احتفظت بطابعها المتميز، ولقد أثبتت البحوث العلمية أن الحظيرة تدخل في إطار التوازن البيولوجي، حيث تتضمن تدرجا في المدن الجغرافية، وخلال الفترة الإستعمارية أصبحت الغابة الأرزية محط أنظار وإعجاب من طرف المستعمرين، حيث بني الحصن العسكري في أفريل 1843 وفي هذه الفترة استقطبت هذه العجائب المندوب المالي “جوردن” فبنى فيها قصرا صغيرا وكان يتردد عليه في كل صيف لمدة 36 سنة.
وبعد الاستقلال، قررت الحكومة الجزائرية حماية هذه الرائعة الأرزية وتحويلها إلى محمية طبيعية أو بالأحرى حظيرة وطنية، وهذا وفق المرسوم رقم 459/83 المؤرخ في 23 جويلية 1983. بالإضافة إلى هذا، اكتشف مؤخرا موقع أثري في حدود الحظيرة في المكان المسمى بوخيراز، وهو عبارة عن رسومات تمثل مشاهد للصيد.
ولكن للأسف الشديد، فإن الحظيرة الوطنية عرفت عملية حرق للعديد من المناطق الطبيعية بقنابل “النابالم” وهذا في الفترة الاستعمارية، كما شهدت المنطقة العديد من المعارك.
ثنية الحد… قبلة العائلات على مدار السنة
عانت المنطقة كثيرا في فترة العشرية السوداء، ومع تحسن الوضع الأمني ازداد توافد العائلات على مدار السنة إلى الحظيرة من أجل الاستجمام سواء من داخل البلدية أو من خارجها، هذا إضافة إلى رواج ثقافة الرياضة الجبلية، حيث أصبحت المنطقة ملاذا للشباب الراغب في ممارسة رياضة الجري، فالهواء النقي وبساط الطبيعة الأخضر إضافة إلى جمال المنظر، كل هذه العوامل تستقطب الرياضيين من أعمار مختلفة سواء كانوا شبابا أو كهولا.
لمياء. ب