كان اجتماعها يتم في إحدى البنايات.. مجاهد يكشف أسرار خلية شاركت في الثورة التحريرية

كان اجتماعها يتم في إحدى البنايات.. مجاهد يكشف أسرار خلية شاركت في الثورة التحريرية

كشف المجاهد محمد مسعودي بن سعيد في حديث أجراه لأول مرة مع الصحافة وبعض الباحثين والمهتمين بتاريخ الثورة التحريرية المظفرة، عن أسرار إحدى الخلايا السرية لمدينة باتنة التي كان عضوا فيها منذ بداية خمسينيات القرن الماضي.

وفي لقاء مع الاعلاميين أجراه بمنزله الكائن بحي تامشيط بعاصمة الأوراس، تطرق المجاهد رغم ما بدا عليه من مرض وتعب وثقل السنين، بإسهاب، لنشاط الخلية التي كانت تتخذ مقرا لها أحد محلات مبنى كان يعرف بـ “الوكالة” بوسط مدينة باتنة، كان يجتمع فيه ممتهنو حرفة الخياطة بنواحي قاعة الأفراح سابقا “المسرح الجهوي حاليا”، وكان لوالده محلا صغيرا فيها.

وقال المجاهد الذي ناهز عمره الـ 89 سنة، إنه انضم آنذاك إلى الحركة الوطنية ليحذو حذو أبناء مسقط رأسه عين ياقوت محمد لعموري والسعيد زرقين، ثم والده الذي كان مسبلا، وكان يرأس الخلية السرية التي انضم إليها، المناضل مصطفى بكوش ثم أحمد رشيد بوشمال وكانت تضم أيضا محمد حرسوس المدعو بوحة وعلي النمر وعبد الحفيظ عبد الصمد ومحمد الطاهر عبيدي المدعو الحاج لخضر وعمر العايب.

اتصال دائم

المجاهد وعضو الخلية السرية بباتنة مسعودي محمد في حوار لـ “الأوراس نيوز”:  “الاستعباد الفرنسي سبب التحاقي بالخلية السرية والنضال من أجل التحرير” |  الأوراس نيوز

وكان أعضاء الخلية على اتصال دائم ويعملون “بسرية تامة” ومن النشاطات النضالية التي قاموا بها، توزيع المناشير لمدة قاربت الـ 3 سنوات قبل اندلاع الثورة التحريرية إلى أن “جاء الموعد الحاسم وبدأت التحضيرات الجادة لها”، كما قال، موضحا أن الأهداف التي اختيرت وقتها لتكون محل هجوم بمدينة باتنة في الليلة الموعودة كانت “مدروسة وخضعت للمراقبة”.

ذكريات الكفاح

ويتذكر محمد مسعودي جيدا كيف تردد رفقة المجاهد المدعو الحاج لخضر قبل اندلاع الثورة التحريرية بأيام، على ثكنة بارك أفوراج بوسط مدينة باتنة التي كان فيها مخزن الذخيرة والسلاح، وكانوا يراقبون “خفية” حركة الحراس ويرصدون تحركاتهم لحوالي 10 ليال متواصلة.

وقال: “راقبت أيضا مع مسعود بن عيسى محطة الكهرباء بضواحي المعذر التي كانت تمون كل الجهة بهذه الطاقة إلى غاية سريانة ومدينة باتنة وكنا نتنقل إليها بواسطة دراجتينا الهوائيتين”.

واستذكر المجاهد لقاءين أشرف عليهما بمدينة باتنة مصطفى بن بولعيد، الأول بمقر الكشافة الإسلامية الجزائرية بحي الستن قبل حوالي 10 أشهر من الفاتح من نوفمبر 1954، فيما تم الثاني بمنزل مسعود بلعقون أياما فقط قبل الليلة الحاسمة وحضره بشير شيحاني وعناصر الخلية السرية ومنهم الحاج لخضر وبوشمال.

وصرح: “في منزل مسعود بلعقون، أعطينا مرة أخرى عهدا لبن بولعيد بأننا ماضون في النضال من أجل تحرير الجزائر مقتنعين بأن ما أخذ بالدم لا يتم استرجاعه إلا بالدم”.

واسترسل المجاهد في استحضار ذكرياته قائلا إنه كان واحدا من المجاهدين الذين حضروا اجتماع دار بولقواس بخنقة لحدادة بتيبيكاوين بمنطقة إيشمول مساء 31 أكتوبر 1954 أين تم لتحديد وتقسيم أفواج المجاهدين.

وبشأن الاجتماع، تذكر قدوم فرحات بن شايبة مبعوثا من مصطفى بن بولعيد، إلى الحاج لخضر، ولقائهما بالمسجد العتيق بوسط مدينة باتنة وتحديد مساء السبت 30 أكتوبر للقاء عند الجسر بين مدينتي باتنة وتازولت بغية نقل المجاهدين إلى دار بولقواس.

وقال مسعودي: “كنا من بين الأوائل الذين وصلوا إلى المكان الذي بلغ فيه عدد الحضور حوالي 86 مجاهدا مساء الأحد 31 أكتوبر وكان من بينهم عناصر من خليتنا السرية كالحاج لخضر وأحمد رشيد بوشمال والمدعو بوحة وعمر العايب، حيث تم تقسيمنا على مجموعات لضرب الأهداف عند الساعة صفر إيذانا بتفجير الثورة”.

وتأسف كون المجموعة التي كان ينضم إليها والتي كلفت بضرب مقر الدرك الفرنسي والمجموعة التي كان ينتمي إليها بوشمال والتي كانت مكلفة بضرب مقر فرقة الحرس المتنقل (قارد موبيل)، لم تتمكنا من بلوغ الهدف بسبب مداهمة الوقت.

وسرد تفاصيل الحدث رغم اعترافه بصعوبة تذكر التواريخ بعد مرور 64 سنة على ذلك، قائلا: “اضطررنا للانسحاب إلى أعالي الجبال الصخرية المحاذية لبوحمار أو وادي الطاقة حاليا، وبقينا هناك إلى غاية مرور عساكر العدو التي جاءت لتستكشف المكان مع طلوع الفجر”.

وروى محمد مسعودي أن رشيد بوشمال أخبره بضرورة العودة إلى باتنة لأنه “ترك بمنزله قائمة لأسماء خونة وعساكر مبرمج تصفيتهم، وكان يخشى وقوعها في يد المستعمر”.

ولدى عودته ورفيقه إلى منزله بحي بوعقال، أخبره والده بأن قوات العدو تبحث عنه وعن بوشمال الذي تم القبض على زوجته وأمه ووالده.

واستذكر المجاهد كيف ألقي القبض بعد ذلك على رشيد بوشمال، ثم وبعدها بوقت قصير، تم القبض عليه هو الآخر وكان ذلك يوم الثالث أو الرابع من نوفمبر سنة 1954.

رحلة شاقة في السجن

وتحدث عن أسره الذي بدأ من سجن لامبيز الشهير وعمره لا يتعدى الـ 21 سنة، وكيف ترك أبناءه الثلاث وزوجة في سنها الـ19، مؤكدا أنه أدرك في الأيام الأولى من توقيفه أن اكتشاف عدد من عناصر الخلية السرية كان بسبب “وشاية”.

وصدر في حقه حكم السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة في بداية مارس 1955 فيما صدرت أحكام تتفاوت بين الإعدام والمؤبد في حق عدد من عناصر الخلية السرية المكتشفة بمدينة باتنة وعدة مجاهدين من بين الذين شاركوا في التحضير وكذا الهجوم على أهداف عسكرية ليلة الفاتح نوفمبر 1954 وفي مقدمتهم مصطفى بن بولعيد، حسب روايته.

وتذكر المجاهد مسعودي كيف تم تحويله في سنة 1958 إلى سجن لا بوتيت بومات بمارسيليا “فرنسا” وظل فيه إلى غاية إطلاق سراحه وعودته إلى الجزائر في الخامس ماي من سنة 1962، وكيف استقبل الإعلان عن وقف إطلاق النار في الـ 19 مارس من نفس العام، بمعية من كانوا معه في السجن، بـ “فرحة عارمة لا يمكن وصفها”، كما قال.

ل. ب