أكثر الظواهر تأثيرا على الحالة النفسية

التنمر الإلكتروني.. صاحب التطور التكنولوجي وزاد من انتشاره

التنمر الإلكتروني.. صاحب التطور التكنولوجي وزاد من انتشاره

تعد ظاهرة “التنمر” قديمة إلا أنها تطورت من حيث الوسيلة المستخدمة، فسابقا كانت تمارس على أرض الواقع وجها لوجه بين المتنمر والضحية داخل مقاعد الدراسة وغالبا ما كانت تنتهي بانتهاء السنة الدراسية.

مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتواجد الأطفال والمراهقين والشباب على شبكة الأنترنت وحيازتهم للهواتف النقالة، أصبح هناك أطفال قادرين على التحرش والتنمر على أقرانهم من خلال هذه الوسائل، ويعبر هذا عن إعادة إنتاج ممارسة منحرفة تقليدية بأدوات جديدة، وبصور تختلف أحيانا عن شكلها القديم.

وممّا لا شك فيه، أن الأطفال والشباب في هذا العصر يمتلكون قدرات عالية في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات وتطبيقات شبكة الأنترنت وأدواتها المختلفة مكنتهم من تكييف التكنولوجيا الجديدة مع استخداماتهم ونشاطاتهم اليومية، ومع ذلك فإن ذكاءهم التكنولوجي وقدراتهم ومهاراتهم المرتبطة بأن يكونوا على الخط بدون رقابة الآباء يمكن أن تؤدي إلى مخاطر مرتفعة، ومن هذه المخاطر؛ التعرض للمخدرات الرقمية، والعنف والتنمر الإلكتروني…

 

واحد من أشكال العنف

بحسب المختصين في مجال الإعلام بالوسائل الجديدة، فإن التنمر الإلكتروني يعد شكلا من العدوان، يعتمد على استخدام وسائل الاتصال الحديثة وتطبيقات الأنترنت في نشر منشورات أو تعليقات تسبب التنكيد للضحية، أو الترويج لأخبار كاذبة، أو إرسال رسائل إلكترونية للتحرش بالضحية، بهدف إرباكه وإصابته بحالة من التنكيد المعنوي والمادي.

 

إحصائيات تدق ناقوس الخطر

يعتبر التنمر الإلكتروني امتدادا للتنمر الذي يعتبر مشكلة قديمة، فالتنمر يعود إلى النزاعات الاجتماعية الخفية للأحكام المسبقة والتمييز، وغالبا ما يؤثر على الأشخاص الذين يتمتعون بخصائص محمية، حيث كان يتركز حصريا في محيط البيئة التعليمية، مع بقاء بيت المرء كملاذ آمن.

ولكن اليوم، من الممكن أن يتعرض الشاب للتنمر ليس فقط في المدرسة ولكن أيضاً في سيارة العائلة أو في المنزل، وعند تواجد الفرد بمفرده في غرفة نومه، وحتى في حضور أولياء الأمر دون أن يكون هؤلاء البالغين على علم أبداً بما يحدث.

وبعد أن أصبحت تكنولوجيا الاتصالات تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، فإن بعض الشباب لديهم فرصة ضئيلة جداً للهروب من الإساءة، ويبقى العديد منهم في حالة مستمرة من التوتر والقلق، وقد وُجِدَ على نحو دائم أن واحداً تقريباً من كل اثنين من الشباب الذين تعرضوا للتنمر لم يخبر أحداً أبداً بذلك إما بدافع الخوف أو الحرج أو عدم الثقة بأنظمة الدعم.

كما تشير الأبحاث إلى أن سوء المعاملة على الأنترنت كما خارجها، تترك أثراً مدمراً على الصحة النفسية والجسدية للشباب، وتولد موجات إضافية من الإجهاد.

فعلى مدى فترة استغرقت أربع سنوات، وبعد تحليل 19 مليون تغريدة، وجد أحد التقارير العالمية أن هناك ما يقرب من 5 ملايين حالة من حالات كراهية النساء على تويتر وحده.

وقد وجد أن اثنين وخمسين بالمئة من إساءات كره النساء المسجلة قد كتبت بواسطة نساء وغالباً ما استهدفت المظهر والذكاء والتفضيلات الجنسية للنساء الأخريات. ووجد التقرير أن هناك 7.7 مليون حالة من حالات العنصرية. وقد تم فحص البيانات العامة فقط، لذلك عندما يتم استنتاج الأرقام من الأنترنت بأكملها لتشمل قنوات الاتصال العامة والخاصة على حد سواء، فإن مستوى خطاب الكراهية على الأنترنت سيكون ساحقاً.

 

عوامل التنمر ومسبباته

لقد دفعت التداعيات الخطيرة للتنمر الإلكتروني، إلى تزايد الاهتمام برصد ووصف وتفسير الظاهرة وأسبابها، وظهر هذا الاهتمام في عدد من فروع العلوم الاجتماعية مثل علم النفس وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع، ولقد أنتج هذا الاهتمام تراثا بحثيا متعددا ومتعمقًا حول العوامل المؤدية إلى ارتكاب فعل التنمر. فوقوع التنمر الإلكتروني حسب العديد من الدراسات التي أجريت حول الظاهرة مرتبط بعدد من العوامل والمحفزات، لعل أبرزها تلك التي تكررت في كل دراسة أجريت والمتمثلة في :

المناخ المدرسي: أكد عدد من الدراسات على ارتباط المناخ المدرسي وعلاقة الطفل بالمدرسة والمعلمين بكل من التنمر التقليدي والإلكتروني. فالمناخ المدرسي يعتبر بمثابة المستوى السياقي للرابطة المدرسية، بينما الرابطة المدرسية هي بمثابة ارتباط انفعالي وعاطفي للطفل بالمدرسة، فضعف المناخ المدرسي والذي تظهر مؤشراته في ضعف إحساس الطالب بالانتماء للمدرسة، تدهور مستويات الاحترام المتبادل بين الطلاب بعضهم البعض وبين مختلف مكونات المدرسة من سوء للمعاملة وغياب للعدالة… يرتبط بالإيذاء بالتنمر التقليدي والإلكتروني، ومن المحتمل أن المناخات المدرسية السلبية سوف تزيد أيضًا من انتشار حالات الإيذاء بالتنمر بين طلاب المدارس.

العوامل الأسرية: إن الأطفال الذين يعيشون في سياقات منزلية تتسم بالعنف والصراع ويتم معاملتهم على نحو سيء يزداد احتمال تعرضهم للتنمر، وأيضًا حياة الطفل مع والدين يعانون من اضطرابات على أي مستوى، قد يؤدي إلى تعرض الطفل للتنمر.

وفي هذا الشأن، توضح الدراسات أن معرفة الآباء بالمناقشات والحوارات الخاصة بأبنائهم على الأنترنت، ترتبط بتدني فرص تعرض الأبناء للإيذاء بالتنمر الإلكتروني.

 

التنمر الإلكتروني وزعزعة الأمن والأمان

كثيراً ما يقمع التنمّر الإلكتروني كرامة المتلقين بطريقة علنية بشكل لا يصدق، حيث يستطيع الآخرون المساهمة في السخرية وتقييمها من خلال الرد على المحتوى المسيء والمشاركة فيه.

لا يأتي كل التنمّر الإلكتروني من قبل الناس الذين يعرفون المتلقي، فغالبا ما يتم إرساله من مجهول، مما يترك مزيداً من الآثار على التحقق من سوء المعاملة خارج الأنترنت أيضاً.

يمكن للمتنمّر الإلكتروني المجهول أن يقوض إلى حد كبير الشعور بالثقة والأمان بالنسبة لأولئك الذين يتلقونه ويمكن أن يخلق حالة من جنون الشك والاضطهاد، وغالباً ما يكون أقوى من سوء المعاملة من شخص ما معروف للضحية.

وفي الحالات الأكثر تطرفاً للتنمّر الإلكتروني، تَعَرَّض الأمن الشخصي للمتلقين وخصوصيتهم للخطر من خلال المشاركة غير المصرح بها لمعلوماتهم الشخصية، مثل عنوانهم ورقم هاتفهم والتفاصيل الأسرية الحميمة التي تخصهم. كما أن “الانتقام الإباحي” الذي يقصد به فعل مشاركة المحتوى الإباحي الذي يتضمن شخصا ما دون موافقته في محاولة للتشهير به وإحراجه علناً لدى أصدقائه وأفراد أسرته المقربين.

وقد تم اتخاذ خطوات لإدخال عقوبات قانونية أشد صرامة ضد الانتقام الإباحي في عدد من البلدان في أقطار العالم، حيث يمكن أن يكون لهذا الفعل آثار مدمرة على ضحايا هذا النوع من سوء المعاملة.

 

التربية الإعلامية الحل الأمثل للتقليل من أخطار الأنترنت

إن وجود الأنترنت أدى إلى تآكل الحواجز الاجتماعية والاقتصادية التاريخية، وصار بالإمكان لأي شخص لديه وجود في مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون عرضة للتنمّر الإلكتروني وسوء المعاملة عبر الأنترنت، فالطبيعة الشفافة والفيروسية للأنترنت لديها القدرة على تغيير مزاج الأشخاص وحتى مصيرهم على المدى الطويل في غضون بضع ثوان، بغض النظر عن تجارب حياتهم أو من يكونون.

أما بالنسبة لنماذج الأدوار المجتمعية، فلا يتعلق الأمر بعملية تعلم كيفية منع التنمّر عبر الأنترنت بقدر تعلقه بتعلم كيفية التعامل معه بطرق إنتاجية وتمكينية، دون السماح للإساءة الفعلية أو الاستباقية بقمع أفكارهم أو سلوكياتهم. لذا يجب تشجيع الشباب على التعبير عن أنفسهم بحرية، وممارسة حقوقهم في جميع البيئات رقمية كانت أو غير رقمية. ويجب تمكينهم من المساهمة في مجتمع ديمقراطي وعالمي من خلال مشاركة أفكارهم وآرائهم دون مهاجمة الآخرين الذين لديهم آراء متباينة.

فالعالم الذي يتصف بالعدالة والإنصاف حقاً يتطلب ثقافة من الاحترام والتفاهم المتبادل ولا يكون ذلك إلا عن طريق تلقين الشباب لأسس وفنيات التربية الإعلامية.

ق. م