الصحفيون الفلسطينيون.. كفاح يومي لإيصال المعلومة

الصحفيون الفلسطينيون.. كفاح يومي لإيصال المعلومة

يواجه الصحفيون مخاطرة شديدة أثناء ممارسة عملهم في غزة، فمنذ بداية الحرب يتزايد عدد الشهداء والمصابين بشكل يومي، حسب لجنة حماية الصحفيين وهي منظمة أمريكية غير حكومية.

ففي وسط صور القصف والدمار وأشلاء الشهداء ودمائهم التي غطّت مدن قطاع غزة، يتنقّل شباب مجاهدون بالصورة والكلمة، فاتحين صدورهم للموت في كل لحظة، يرقبون الصواريخ والقذائف والقنابل الذكية والفوسفورية وهي تتناثر على المنازل والمدارس والمستشفيات، يواسون الضحايا وعائلاتهم وينقلون صورتهم للعالم، فاضحين بشاعة ووحشية الكيان الصهيوني.

وقد أظهرت القصص الإنسانية التي ينقلها يوميا جيش من الصحفيين حقيقة ما يجري على أرض غزة الصامدة، وعرّت أمام العالم وحشية الكيان، في إطار مخطط للإبادة والتّهجير لسكان القطاع حتى تقضي تماما على فكرة المقاومة وعلى قدرة الفلسطينيين على استرجاع أراضيهم وإنشاء دولتهم الحرة.

واجب مقدس

وفي هذه الحرب القاسية والانتقامية المبرّرة من رؤساء الدول الغربية، يدرك الصحفيون الفلسطينيون أنّ الرسالة الإعلامية التي تنقل الحقيقة، واجب مقدّس لا يمكن التّخلي عنه مثلما لا يمكن للمقاوم التّخلي عن سلاحه، لأن الكيان الصهيوني يسعى إلى إعدام الصورة الحقيقية كما يعدم يوميا الأطفال والنساء وكل الفلسطينيين الشرفاء.

استهداف الصحفيين.. سابقة مروعة في التاريخ

مع استمرار الهجوم الوحشي الإسرائيلي على غزة، قدم جيش “بنيامين نتنياهو” بعض الأرقام القياسية القاتمة من حيث عدد القتلى المدنيين، حيث كان أكثر من نصف الشهداء البالغ عددهم 23 ألفاً من النساء والأطفال الأبرياء.

والأفظع من ذلك، أن إسرائيل تحاول إسكات الأصوات التي تنقل الواقع على الأرض، من خلال الاستهداف المتعمد للصحفيين والإعلاميين.

ووضعت إسرائيل نفسها في طليعة الإحصائيات المثيرة للقلق، إذ أنها تقتل صحفياً واحداً على الأقل كل يوم خلال حربها المستمرة منذ أزيد من 200 يوم على غزة.

ووفقاً للمكتب الإعلامي في غزة، استشهد ما لا يقل عن 109 صحفيين منذ 7 أكتوبر الماضي، في حين فقد بعضهم العديد من أفراد عائلاتهم بسبب الهجمات العشوائية.

ويتجاوز عدد العاملين في مجال الإعلام الذين قتلتهم إسرائيل خلال ثلاثة أشهر تقريباً، العدد الإجمالي للصحفيين الذين قتلوا طوال فترة السنوات الست بأكملها من الحرب العالمية الثانية (69)، وفقاً لمنتدى الحرية، وهي مؤسسة مقرها واشنطن تدافع عن حرية الصحافة.

وبمقارنة الحرب في غزة مع حرب فيتنام التي استمرت عشرين عاما (1955-1975) وقُتل فيها 63 صحفياً، بينما فقد 17 عاملاً إعلامياً حياتهم في الحرب الكورية التي استمرت ثلاث سنوات (1950-1953).

وفقًا للجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك، في الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي بدأت في فيفري 2022، والتي ما تزال مستمرة منذ حوالي عامين، فقد إجمالي 17 صحفياً حياتهم في هذه الحرب.

لكن في غزة، لا تقتصر القضية على القتل فحسب، بل على كيفية استهداف عائلاتهم المباشرة أيضاً من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

بين ظروف عمل خطيرة وقلق على عائلاتهم

بعدما اضطروا للفرار من غارات طائرات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة غزة، يقوم مئات الصحفيين الفلسطينيين بتغطية العدوان المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر، مجازفين بحياتهم في ظروف مروعة.

حيث نصب صحفيون خيّما في باحة أحد المستشفيات لتشكل قاعة التحرير نهارا ومأوى ليلا، ويعمل بعضهم لوسائل إعلام محلية وآخرون لدى الصحافة الدولية، لكنهم يعيشون نفس المعاناة لأداء عملهم منذ بداية العدوان.

وبحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين، يتزايد عدد الشهداء من الفلسطينيين جراء غارات طائرات الاحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة منذ بدء العدوان.

فعند بدء العدوان كانت وسائل الإعلام الموجودة في الأراضي الفلسطينية تعمل من مكاتبها في مدينة غزة، إلا أن القصف الإسرائيلي الكثيف الذي دمر عدة أبراج، أجبرهم على المغادرة مع فرقهم إلى الجنوب، رغم أن الغارات الإسرائيلية لا تستثني أي منطقة.

واستقر مئات الصحفيين في مدينة خان يونس في خيم نصبت في باحة مستشفى ناصر، وحين لا يكون لديهم تقارير لإعدادها، تستخدم الخيم “كقاعة تحرير” وينامون فيها ليلا إذا كان صوت القنابل يوفر لهم فترة هدوء ليغمضوا عيونهم.

وتعج باحة المستشفى باستمرار بنساء ورجال يرتدون سترات واقية من الرصاص كتب عليها “صحافة” بالإنجليزية، ويضعون خوذات على رؤوسهم فيما تتكرر عمليات القصف بالقرب من المستشفى وتكون دامية في معظم الأحيان.

وإذا كانوا تمكنوا بفضل مولدات الكهرباء في المستشفى من شحن الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والكاميرات وغيرها من المعدات، فإن ظروف النظافة الشخصية صعبة.

وغالبا ما تُقطع المياه الجارية وبسبب عدم وجود قاعات استحمام، يغتسل كثيرون في المراحيض.

وفي الخيم، ينام البعض على فرش أو على الأرض، ويغطون أنفسهم بسترة أو كنزات. وللحصول على بعض الخصوصية، ينام آخرون وخصوصا النساء في سياراتهم المتوقفة في باحة المستشفى.

باقون رغم الخطر

من بين الصحفيين، نجد الصحفية هدى حجازي البالغة 25 عاما، والتي تحمل الجنسية الإسبانية هي وعائلتها، قضت حياتها في إسبانيا قبل أن تعود مع عائلتها إلى غزة قبل خمسة أعوام.

تعمل من داخل مستشفى ناصر، بينما بقيت عائلتها في غزة لعدم توافر منزل يلجؤون إليه.

وتقول هدى: “هذه أول حرب أغطيها بهذا الحجم، الوضع مأساوي لم أر عائلتي منذ أسبوعين”، مضيفة “حين طلبت إسرائيل التوجه إلى الجنوب، قررت أن أبقى مع عائلتي لأنهم أهم من العمل. بعد يومين اطمأننت عليهم وجئت هنا، لكنني أفكر بهم طيلة الوقت وهذا يزيد الضغط علي”.

وتوضح “الوضع صعب في المستشفى. أنام في السيارة بالكاد أتدبر الاستحمام كل يومين أو ثلاثة في أحد حمامات بعض الأقسام داخل المستشفى”.

ورغم أنها تحمل الجنسية الإسبانية ويمكنها نظريا مغادرة قطاع غزة إذا فتح معبر رفح الحدودي، تقول “أحاول إقناع عائلتي بالسفر إذا فتح المعبر لكنني سأبقى لمواصلة عملي”.

من جهته، يقول محمد ضاهر البالغ 35 عاما: “كان عليّ تغطية النزوح وإخلاء عائلتي أيضا، كان في بيتي نحو 30 شخصا، ذهبت إلى المنزل وأخليت جميع العائلة لمخيم النصيرات وسط القطاع وأتيت للعمل من المستشفى”.

يقول ضاهر الذي باتت لحيته طويلة “بالكاد نتدبر دخول الحمام والحفاظ على نظافتنا الشخصية، سأحلق حين تنتهي الحرب إن شاء الله”.

إلى جانب نقص مستلزمات النظافة الشخصية، يشير مراسل قناة نزار سعداوي البالغ 36 عاما، إلى “صعوبة الاتصالات” التي تسببها الغارات على الشبكة.

وتابع أنه في البداية كان ينام بالسترة الواقية من الرصاص في الموقف بين السيارات، لكنه تمكن قبل يومين من الحصول على فراش ونصب ما يشبه خيمة.

من جهته، قال حازم البنا مراسل سكاي نيوز العربية “نعمل في ظروف شديدة الخطورة، ليس هناك مكان آمن، نأخذ كل وسائل السلامة، لكن عنف الغارات لا يستثني أحدا”.

لمياء. ب