رفعت السيدة فاطمة يعقوبي، من ولاية الشلف، التحدي وسط الظروف الإجتماعية والعائلية المحافظة، لتدخل عالم الشغل وتفتح صالونا للحلاقة والتجميل ببلدية تاجنة، وفي نفس الوقت استمرت في نشاطها الفلاحي الذي ورثته عن والدها، وتمكنت من الجمع بين مهنتين ورفع شعار “المرأة الريفية المنتجة والحرفية الناجحة”.
صنعت الاستثناء وهي في العقد الخامس
وهي على مشارف العقد السادس من العمر، تصنع السيدة فاطمة البالغة من العمر 59 سنة بإرادتها وشغفها للعمل، الاستثناء، من خلال ممارسة نشاط الحلاقة في محلها الكائن ببلدية تاجنة والتنقل بعدها على مسافة 30 كلم إلى مزرعتها الموجودة ببلدية بوزغاية في نفس اليوم عن طريق سيارة أجرة متعاقدة معها، لتفقد حقول القمح والشعير وإطعام الأغنام والأبقار.
وتروي هذه السيدة كيف تسببت الظروف الاجتماعية والمسؤولية العائلية، باعتبارها البنت الأكبر بين إخوتها، في توقفها عن الدراسة في الطور الابتدائي من سبعينيات القرن الماضي، لتساعد والدها في نشاطه الفلاحي بمزرعتهم وإعالة العائلة، وهو ما أكسبها خبرة في المجال فأضحت تتقن مختلف الأنشطة الفلاحية.
العودة إلى الدراسة في مجال التكوين
وبما أن مسارها الدراسي توقف بفعل هذه الظروف، قررت السيدة فاطمة بعثه من جديد ولكن من بوابة التكوين والتعليم المهنيين، لتظفر بشهادة في نشاط الحلاقة والتجميل سنة 1992، سمحت لها بالعمل في عدد من محلات الحلاقة بالشلف واكتساب التجربة في هذا المجال أيضا.
وبعد أن أصبحت تتقن نشاطي الحلاقة والفلاحة، وبعد وفاة والدها وجدت نفسها أمام خيارين إما التضحية بأحدهما أو التوفيق بينهما، فكان التحدي الذي قررت خوضه بممارسة النشاطين معا وقررت أيضا توسيع مجالي عملها بفتح آفاق جديدة لتشغيل أبناء منطقتها، لتثبت بذلك إمكانياتها ومؤهلاتها في إدارة الأعمال.
إصرار وعزيمة على النجاح
وتمضي السيدة يعقوبي، التي توظف أربعة أشخاص بمحل الحلاقة وأربعة آخرين بمزرعتها، يومياتها متنقلة بين بلديتي تاجنة وبوزغاية، تارة في خدمة زبائنها بمحل الحلاقة وتارة أخرى في معاينة محاصيلها الفلاحية وإطعام الحيوانات وضمان تزويد المزرعة بالمياه، علما أنها تضطر أحيانا للعمل لأوقات متأخرة في تجميل وتجهيز العرائس أو أوقات مبكرة لسقي المحاصيل التي تزرعها بمستثمرتها الفلاحية.
وقال أحمد العايدي، أحد العمال الذين يشتغلون في مزرعتها منذ شهور، إن صيت السيدة يعقوبي ارتبط بالإصرار والعزيمة والنجاح وحسن إدارتها للأشغال، وهو ما شجعه للالتحاق بطاقم عملها الذين تربطهم معها علاقات مهنية احترافية وعلاقات اجتماعية أساسها قيم التكافل والكرم وحسن المعاملة.
وأضاف أن نشاطها في مهنة الحلاقة والتجميل لم يؤثر يوما على مواعيدها والتزاماتها بمزرعتها، ولا على موعد إطعام الحيوانات (الأغنام والأبقار والدواجن) التي تشرف عليها بنفسها في مشهد يوحي بمقدار قدسية العمل عندها.
من جهتها، صرحت ابنتها شيماء أن والدتها لم تقصر يوما في أداء الواجبات والالتزامات العائلية بالرغم من أجندة يومها المزدحمة، مضيفة أنها تعتبرها قدوة ومصدر إلهام لنظيراتها في ولوج عالم الشغل وممارسة عدة نشاطات.
وترى ذات المتحدثة أن إرادة والدتها صنعت الفارق والتميز في الجمع بين مهنتين وقطعت الشك باليقين على أن المرأة تضطلع بأدوار مهمة ليس فقط في الشؤون الأسرية والعائلية ولكن أيضا في عالم المقاولاتية والشغل.
وتبقى قصة السيدة فاطمة يعقوبي التي تأمل في توسعة نشاطها مستقبلا، فريدة من نوعها، فهي نجحت في التوفيق بين مهنة الحلاقة التي لها من الرمزية والارتباط بالطموح الشخصي وتحدي الظروف الاجتماعية وبين مهنة الفلاحة التي تعتبرها إرثا من والدها ووفاء لذكراه، لتكون بذلك نموذجا للمرأة المتفانية في عملها والوفية لعائلتها وزبائنها.
ق. م